روايات

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم رحمة نبيل

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم رحمة نبيل

رواية ما بين الألف وكوز الذرة البارت الثامن والثلاثون

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الجزء الثامن والثلاثون

ما بين الألف وكوز الذرة

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الحلقة الثامنة والثلاثون

‏أكثر ما يحرص عليه الشيطان -أثناء دعائك وتضرعك- أن يشوّش على قلبك، وأن يقنّطك من الاستجابة، وأن يصوّر لك أن دعاءك كصوتٍ تائه في صحراء بائدة لا يُسمع ولا يُرفع.
ولذلك أخبرنا ربنا في كتابه بكلمة جميلة تَصرفُ عنّا نزغَه وتطيش بهَمْزه ونفثه؛ قال ربنا: فإنّي قريب! :))
د/ أحمد عبدالمنعم.
صلوا على النبي …
هذه تكملة الخاتمة، إذ كانت فصل واحد متصل لكن لكبر حجمه تم تقسميهم، وهذا هو الجزء الثاني والأخير من حكايتنا …
“خلصت الحكاية ”
قراءة ممتعة
__________________________
فتحت الباب تسبقه للداخل وهي تقول بصوت خافت :
” بسرعة نيمها في السرير قبل ما تصحى تاني وتفضل تعيط على سعيد ”
ابتسم نادر بسمة واسعة يقبل رأس صغيرته التي كانت تتمسك بسعيد باكية، تود أن تصعد معه لسيارته وترحل معه، وسعيد الذي لا يطيق رؤية زينب تبكي نظر لها بضعف وكاد لثواني أن ينفذ لها ما تريد بكل حمق، لكن نادر حملها يضمها له وهو يحاول أن يلاعبها بعيدًا عنهم ..
واخيرًا رحل سعيد ونامت زينب بعد ساعات من البكاء ومحاولات من نادر ليضحكها، وحينما احضر لها كل ما تحب من حلوى نامت مبتسمة .
وضع نادر الصغيرة في فراشها يراقبها بحنان شديد، يربت أعلى خصلات شعرها وهو يشعر بمشاعر كثيرة مختلطة داخل صدره، تلك الصغيرة تمثل له مستقبلًا يسعى أن يكون افضل من ماضيه …
مال نادر يقبل رأسها بحب يمسك أصابعه يتواصل معها بالطريقة التي يعلم، مطمئن مرتاح بما وصل له في حياته، يشكر الله على ما حدث، وحتى ذكريات السيئة لم يعد يتذكرها، محى كل شيء من ماضيه، كي يعيش حاضره ويتجهز لمستقبله.
وأثناء تحريكه لاصابعه بحنان على يد الصغيرة شعر بها تشدد من ضم يده لها، ثم فتحت عيونها الجميلة التي تذكره بعيون نيرمينا، ترمقه بحب، تقول بصوت منخفض :
” بابا نام معايا ”
ابتسم نادر يربت على خصلات شعرها يداعبها بحب، ثم هز رأسه لها بإيجاب لا يستطيع أن يرفض لها طلبًا تريده .
وزينب لشدة سعادتها نهضت تعتدل في جلستها وملامح النعاس ما تزال تزين وجهه وملامحه، وهو ينظر لها ببسمة، لكن فجأة شعر بجسده ينتفض ويختض من هول المشاعر التي ملئته حينما أبصر الصغيرة ترفع يدها له وهي تشير لها باصابعها مبتسمة .
نظر نادر ليدها بحب شديد يشعر بدموعه على وشك السقوط من قوة مشاعره، الصغيرة كانت تشير له كما يشير لها ولوالدتها، تخبره بلغته الخاصة أنها ” تحبه ”
امسك نادر كفها يميل عليه بحنان شديد يقبل باطنه وهو يشعر بارتجافة قلبه، ثم رفع هو الآخر أصابعه يشير لها أنه يحبها كذلك .
وزينب ابتسمت باتساع تلقي نفسها بين أحضان نادر الذي تلقفها بقوة كبيرة يضمها لصدره بحنان وحب، يقبل رأسها وهو يتواصل معها كما يفعل مع نيرمينا، أخذ يحرك شفتيه على خدها بكلمات صامتة ( بابا بيحبك ) …
وكان الشاهد على كل تلك المشاهد المؤثرة الجميلة نيرمينا التي انتهت من تبديل ثيابها وجاءت كي تشاركهم تلك الليلة الجميلة، التي تشعرها أنها ليلة فارقة في حياتها، الليلة التي ستنام مبتسمة مطمئنة فقط لأنها تعرف أن شقيقها سيفعل كذلك .
تحركت داخل الغرفة بخطوات بطيئة كي تنضم لهما، لكن فجأة توقفت بصدمة كبيرة تستمع لصوت غريب على مسامعها، صوت مكتوم كطفل يتعلم الحديث، صوت خرج وكأنه لشخص متلعثم في الحديث ..
صوت نادر وهو يضم له الصغيرة يحاول الحديث بصعوبة يكرر كلمات الصغيرة بصوت مكتوم خرج عبارة عن حروف متقطعة :
” با…با ..”
اتسعت عين الصغيرة وهي تجذب وجه والدها لها وكأنها هي من تعلمه الحديث، تقول بسعادة كبيرة :
” بابا …”
ابتسم لها نادر يشعر بها تمسح دموعه، هذا كان أقصى ما يمكنه فعله، حتى وإن حاول الحديث لا يستطيع، وهذا منذ أسابيع حينما اكتشف قدرته على إخراج بعض الأصوات المكتومة التي لا معنى لها، وحينما حاول أن يفعل أكثر فشل، وكأن جميع طاقته المخزنة خرجت في تلك الاحرف المتبعثرة، ولم يرد أن يخبر أو يجعل أحد يعلم حتى لا يعطيهم املًا ضعيفًا كاذبًا ..
في تلك اللحظة صاحت الصغيرة بسعادة :
” ماما ”
نظر نادر خلفه مبتسمًا بحنان لتنقض عليه بسعادة كبيرة تصرخ دون هوادة تضم رأسه لصدرها وكأنها تود طحنه بها :
” أنت اتكلمت يا نادر؟! صح ؟؟ أنا سمعتك، أنا سمعتك والله”
كانت تتحدث باكية بمشاعر عديدة وهي تمسك وجه نادر بين يديها ونادر ينظر لها بحب يحاول أن يعتدل ليشير لها بيده، لكنها أمسكت يده تقول :
” لا …اتكلم يا نادر، اتكلم أرجوك ”
نظر لها نادر بعجز يبعد يده عن خاصتها يشير :
” مش عارف يا نيرمينا هي خرجت مني كده، ومش قادر اتكلم، متزعليش والله مش قادر ”
مسحت نيرمينا عيونها تقول ببسمة واسعة وهي تميل أمام وجهه تجذبه لها تقول بحنان وحب :
” مش مشكلة، مش مشكلة واحدة واحدة، الدكتور قال تطور طفيف، مش مشكلة ياقلبي والله مش زعلانة أنا بس حباك تكون مرتاح وسعيد يا نادر ”
ابتسم لها نادر يداعب وجنتها بإصبعه، ثم أشار لها بحنان :
” أنا سعيد ومرتاح أكثر مما تتخيلي ”
ابتسمت نيرمينا وقبلت خده بحب، ثم نظرت للصغيرة التي كانت تتابعهم باهتمام شديد قبل أن تبدأ في تقليد حركات يد والدها بسعادة كبيرة جعلت أعين نادر تلتمع بالدموع ونيرمينا تقترب منه تضم رأسه لها وهي تقف جوار الصغيرة، وللمرة الأولى تسمح نيرمينا لنادر أن يحزن لمصابه ويعبر عن حزنه بنفسه دون مساعدة منها، وهي من تربت عليه بحب تراقب الصغيرة تحاول تقليد نادر وحينما انتهت مسح نادر دمعة من عيونه وصفق لها لتبتسم بسعادة وهي تنهض وتصفق مثله وتقفز على الفراش .
أخذت نيرمينا تطلق ضحكات عالية عليها ونادر يبتسم عليهما سويًا، قبل أن يقرر تحقيق رغبة الصغيرة ويخلع حذاءه، ثم أشار لنيرمينا :
” تعالي هننام هنا مع زينب ”
ابتسمت نيرمينا تتحرك صوب الفراش تستقر بين أحضان نادر الذي حرك أصابعه يشير بحركات عجيبة :
” تحبوا احكي ليكم قصة ؟؟”
نظرت له نيرمينا بتعجب ليشير مجددًا :
” أنا هشاور وأنتِ احكي ”
ابتسمت نيرمينا لتلك الفكرة الرائعة، ثم أشارت له تقول :
“اصبر طيب هروح اجيب حاجة تسلية”
وبالفعل ركضت في أرجاء الشقة كالطفلة الصغيرة تحت انظار نادر الذي أطلق ضحكات مكتومة، ثم عادت تحمل العديد من أكياس الحلوى تلقي بها على الفراش تقول لزينب التي كانت مستكينة في أحضان والدها :
” بابا هيقول لينا حكاية يا زينب، هو هيشاور وانا هقولك وأنتِ أتعلمي عشان المرة الجاية أنتِ اللي تحكي ليا ماشي ؟؟”
هزت الصغيرة رأسها بحماس شديد ونادر ضمها له من جانب والجانب الآخر ضم له نيرمينا يحرك كفه في الهواء ونيرمينا تتحدث تصف للصغيرة ما يقوله :
” كان يا ما كان …كان فيه شاب صغير تايه ولوحده ودايما ساكت ومسكين، لغاية ما في يوم وليلة، بقت تظهر ليه جنية بتعمله كل يوم مكرونة وفراخ ….”
_______________________
” أنت كده مش بتعمل مفاجأة ليا يا رائد أنت كده هتخلص عليا ”
تذمرت تسبيح تحاول تبين الطريق أمامها بعدما ربط رائد شريطة أعلى عيونها منذ وطأت للمنزل الخاص بهم، ولم يكتفي بذلك، بل تركها واختفى .
تنهدت تسبيح بحنق شديد تحرك يديها في الهواء كالكفيف تبحث عن رائد:
” رائد أنت نمت ونسيتني ولا إيه ؟؟ أنا لسه هنا ومش شايفة حاجة ”
ثواني وسمعت صوت خطوات رائد يقترب منها بحماس شديد يصفق بيده في الهواء، يقترب منها يسحب يديها صوبه وكأنه يشاركها رقصة :
” جاهزة يا توتا ؟؟”
” جاهزة يا قلب توتا، بس معلش شيل الشريط ده من على عيني وانا ممكن اغمض عيني عادي والله وهتفاجئ ”
أنهت حديثها تحاول سحب الشريط عن عيونها لتتوقف فجأة تتلمس الشريط مرة أخرى :
” الملمس ده مش غريب عليا، رائد أنت جايب الشريط الفسكوز ده منين ؟!”
ابتسم رائد يسحبها خلفه دون أن يهتم بشيء، يجيب بكل بساطة عليها وكأنه ما فعله أمر طبيعي :
” دي واحدة من عبايات البيت بتوعك النص كم، اخدتها وعملتها شرايط ”
توقفت تسبيح في سيرها بصدمة كبيرة، تنظر لللاشيء من خلف الشريطة، تتحسسها بحسرة :
” اوعى تقول إن دي العباية التايجر اللي بحبها ”
” أيوة هي دي ”
التوى ثغر تسبيح وقد شعرت فجأة بتدهور مزاجها :
” أنت بتهزر يا رائد، أنت عشان مش بتحبها تبهدلها، حرام عليك كنت بحبها اوي وبحـ..”
وقبل اكمال جملتها أطلقت صرخة فزعة تشعر بجسدها يُرفع عن الأرض، وقد أصبحت رأسها قريبة من شيء صلب بعد تحسسه لثواني أدركت جيدًا أنه صدر رائد، ابتلعت تسبيح ريقها بتوتر :
” رائد بـ ”
اصمتها رائد قبل أن تقول كلمة واحدة بهمسة جوار أذنها:
” اهدي شوية يا توتا، مش هخطفك ”
صمتت تسبيح تتمسك به وقد بدأ وجيب قلبها يعلو، تشعر به يصعد درجات، ثم انحرافه في ممرات المنزل، ابتسمت تستشعر يده التي أخذ يحركها بحنان على خصرها، تشعر برغبة عارمة في الضحك، وقبل أن يتمادى رائد فيما يفعل انزلها، ثم اغلق باب الغرفة يقف خلفها ينزع عنها الشريط لتنظر هي حولها بانزعاج من الضوء، لكنها استدارت لرائد ولم تكد تتحدث حتى لمحت الشريط بين أصابعه :
” ايه ده، ده مش العباية التايجر بتاعتي ”
أطلق رائد ضحكات مرتفعة يميل عليها مقبلًا وجنتها:
” اكيد يعني مش هبوظ حاجة بتحبيها يا توتا، المهم يا ستي سيبيني من محل العبايات ده وقوليلي ايه رأيك ؟؟”
نظرت له تسبيح مبتسمة تشرد في ملامحه الحبيبة التي تعشقها وكل يوم يزداد عشقها له :
” زي القمر ”
ارتسمت بسمة واسعة على فم رائد ينحني بعض الشيء هامسًا أمام وجهها :
” أنتِ اللي قمر يا توتا، واحلى من القمر ياقلبي، بس انا مش قصدي عليا، أنا قصدي على المفاجأة ”
نظرت له تسبيح بعدم فهم، ليشير لها رائد بعيونها على المكان خلفها، وهي استدارت ببطء لا تريد نزع عيونها عنه، لكن فجأة شهقت بصوت مرتفع ترى الغرفة حولها مليئة بالعديد من البالونات والزهور والعديد من الصور لها ولرائد، والغريب في الأمر هناك بعض الصور لها في أماكن لم تتذكر يومًا أنها التقطت بها صورًا، صور التقطت لها بعفوية شديدة، لتتساءل منذ متى وبدأ رائد يتابعها ؟؟
اقتربت تسبيح تنظر للغرفة بأعين متسعة :
” رائد ده …ده حلوة اوي بجد، مش مصدقة أنك عملت كل ده ”
ابتسم لها بحنان يقول ببسمة واسعة :
” اتأخرت على الشباب انهاردة مخصوص عشان اخلصها، ايه رأيك بقى ؟؟”
استدارت له تسبيح تعانقه بحب شديد :
” أنا …أنا مش عارفة اقول ايه يا رائد بجد ؟؟”
ابتسم رائد يهمس بخوف، مبادلًا إياها العناق براحة داخلية شديدة :
” قولي ايه حاجة، أي دعوة حلوة منك ”
أطلقت تسبيح ضحكات عالية لقت صدامها داخل صدر رائد وهي تقول :
” ربنا يخليك ليا يا رائد ”
” اجمل دعوة يا توتا، ويخليكِ ليا يا حياتي ”
ابتعدت تسبيح عنه برأسها تقول :
” بس هو الاحتفال ده بمناسبة ايه ؟؟ يعني فيه مناسبة ولا كده ؟؟”
نظر لها رائد ثواني ثم قال بغموض :
” فاكرة اول يوم شوفتك فيه يا تسبيح ؟؟”
نظرت له تسبيح بعدم فهم وقالت :
” يوم ما جيت تاخدني من البيت ؟؟”
” لا قبل كده، اول يوم خالص ”
صمت يترك لتسبيح فرصة تذكر ذلك اليوم قبل أن تبتسم فجأة قائلة بخبث ولوم مصطنع :
” اممم يوم ما جيت الحارة عشان تقبض على جلال الزبالة، فاكرة لما جيت مع ظابط اهبل تاني كل شوية يقولك أنا القائد هنا ”
صمتت ثم أضافت وهي تضيق عيونها بحنق مصطنع :
” وكمان نفس اليوم اللي قولتلي فيه …”
أخذت تقلد صوت رائد:
” ده السجن لاخوكِ ارحم من عيشته مع واحدة زيك يا شيخة ”
أطلق رائد ضحكات مذهولة من كلماتها :
” يا نهار ابيض لسه حافظة الكلمات بالنص ؟؟ بعدين يا توتا أنتِ قلبك ابيض ده انا يومها أخدت ضربة على نافوخي كانت هتضيعني بسببك ”
ابتسمت تسبيح تقترب منه تميل على صدره بحب :
” مكنتش شايفة في الضلمة واول ما حسيت بحد بيقرب مني ضربت في العمياني وجات فيك، بعدين ده كان مخطط، ضربتك عشان اوقعك في حبي يا رائد ”
ابتسم رائد بسمة جانبية ممازحة :
” الحاجة الوحيدة اللي وقعت فيها يومها كانت المشاكل مع القائد اللي هزقني بعد ما الزبالة اللي كان معايا رمى فشل المهمة كلها عليا أنا ”
ابتسمت له تسبيح تردد بصوت خافت :
” وقتها فشلت في المهمة، بس نجحت أنك تفوز بقلبي يا رائد ”
” وده كان أكبر مكسب وأكبر مكافئة اخدهم من قضية في حياتي يا توتا ”
نظرت تسبيح لعيونه لا تصدق أن كل تلك السنوات مرت عليهم، من كان يصدق أن اتصالها ذلك اليوم بالشرطة، كي تشي بالمجرمين سيكون نقطة فاصلة في حياتها، ستنهي أيام وتهديها أيام أخرى، تنتزعها من ماضي أليم ملقية إياها بين أحضان رائد الذي كان رائدًا للحب داخل قلبها البكر .
ابتسمت تستشعر حركات رائد الخافتة وهو يراقصها على اللاشيء، فقط يتحرك بها بحب يميل عليها هامسًا :
” انهاردة ذكرى اول ضربة اخدتها منك على دماغي، قبل ما تتوالى الضربات على قلبي يا توتا، كل سنة وأنتِ معايا يا قلبي ”
__________________
يقف في مطبخ منزله البارد الفارغ سابقًا، والدافئ حاليًا، لا يصدق أن ذلك المكان المقفر الذي لم تكن قدم تطأه إلا لأجل العبث بالثلاجة والبحث عن بعض الطعام الجاهز، أو إحضار كوب ماء، أصبح يضج بالحياة واضحت الروائح الشهية لا تغادر مدفئته، منذ جاءت هي له وانارته كما أنارت حياته.
ابتسم محمود يحدق بهاجر التي تعد له حلواه المفضلة دون نقم أو حنق أو غيره، هي فقط عادت وضعت جهاد بفراشها وتأكدت أن ماجد لا يحتاج لشيء، واخيرًا نظرت له تقول بلطف :
” محتاج حاجة يا محمود، أنت اكلت في الفرح ؟؟”
وكانت الإجابة منه نفيًا، هو جائع لكل ما تعده له، نهم لكل ما يصدر منها، عاشق لكل ما تنتجه أناملها ..
وها هي دون مناقشة أو شيء سارعت تعد له ما يحب ويهوى من الطعام والحلوى تقول بنبرة مستمتعة بالفعل بما تفعل :
” شوفت الكل انهاردة كانوا مبسوطين اوي وخاصة زهرة وسعيد، ربنا يسعدهم يارب أنا فرحت اوي ليهم بجد كأنهم من عيلتي ”
توقفت عما تفعل تنظر لمحمود الذي كان يراقبها ببسمة يستمع لما تقول دون ملل :
” لا هما فعلا عيلتي، أنا انهاردة بجد كنت فرحانة اوي والكل في الفرح كانوا حلوين جدا صح ؟؟”
نظر لها محمود يهز كتفه بعدم معرفة يجيب بصدق وبساطة :
” مش عارف والله يا نواعم أنا مكنتش شايف غيرك انهاردة ”
التوى فم هاجر بتأثر من إجابته النموذجية والتي تدرك جيدًا في داخلها أنها نابعة من اعماق محمود، اقتربت منه تضم وجهه بين يديها يحب :
” محمود أنت عسل اوي ”
أطلق محمود ضحكات مرتفعة ينظر لكفها الذي يضم وجهه :
” بقيت عسل بالشوكولاتة كده يا جوجو ”
انتبهت هاجر فجأة أنها لوثت وجهه بالشوكولاتة، لتسارع وتعتذر له تحاول البحث عما تزيل به تلك الآثار، لكن محمود أوقفها يقول ببسمة :
” سيبيها مفيش مشاكل، اقولك أنا هقوم اساسا اساعدك وابهدل نفسي معاكِ ”
نظرت له بأعين بلهاء تراه ينزع سترة بدتله يتحرك صوبها يحمل ثوب المطبخ يرتديه، ثم صفق بيديه يقول بنبرة ذكرتها بتلك الايام التي كان يترك عمله ويأتي لها للعمل معها في المخبز، ارتسمت بسمة حنين على فمها تسمعه يقول :
” ها يا شيف قوليلي اعمل ايه ؟!”
ابتسم هاجر تقترب منه تقول بحب :
” اديني حضن ”
نظر لها محمود بتفاجئ قبل أن ترتسم بسمة واسعة على يقترب منها، يجذبها بقوة صوب احضانه، يرفعها له حتى تقابل وجهه يهمس لها بحب :
” هو أنا لو سيبت المستشفى واشتغلت عندك هحضنك كده كل شوية ؟؟ أنا مستعد اقدم استقالتي بكرة على فكرة ”
أطلقت هاجر ضحكات مرتفعة تبادله العناق دون أن تجعل يدها تلمس قميصه الابيض، وهو يهمس لها بحب شديد :
” أنا هاخد إجازة من بكرة يا بسكوتة عشان نسافر سوا، و ماجد قال هياخد باله من جهاد، ونروح مكان ما تحبي إيه رأيك ؟؟”
” موافقة يا محمود ”
ابتسم محمود يتنفس براحة شديدة، ثم انزلها حينما شعر بتململها بين أحضانه، تتحرك صوب الطاولة تقول :
” نسيتني الكيكة ”
تحرك خلفها يجلس على الطاولة التي تصنع عليها الطعام يساعدها فيما تفعل، أو بالأحرى يعطلها عما تفعل بأفعاله، نظرت له هاجر بحنق ليبتسم ببراءة وهي صمتت أمام بسمته تتجاوز عن كل شيء .
” حصل ايه صحيح في حوار القضية بتاع الولد الصغير ده ؟؟”
فرك محمود أنفه يجيب بصوت جاد لا يحب الخوض في تلك النقطة :
” مش هتنازل عن القضية وهوريهم إزاي يربوا عيالهم بعد كده، والغريب في الموضوع إن عمي …عمي مصمم على الموضوع اكتر مني وماشي فيه اكتر مني واتعصب لما عرف اللي حصل لجهاد ”
نظرت له هاجر بتسائل :
” هو أنت وعمك …يعني لسه العلاقة متوترة ؟؟”
نظر لها محمود ثواني يقول بنبرة عادية :
” مش متوترة، لكنها عادية، مش علاقة عيلة ولا علاقة غرب، متعرفيش ايه اللي بيجمعنا، ساعات يبقى عمي مش طايقنا، وساعات أحسه عايز ياخدني في حضنه، ولما عرف اللي حصل لجهاد شوفت ملامحه كأنها اتحولت وقعد يزعق إنه مش هيسيب أهل الولد في حالهم ”
صمت ثواني ثم قال ببسمة :
” بعد كل السنين دي يا هاجر اتعلمت إن مفيش شيء يستحق العصبية والغضب، كل شيء بيمشي ببساطة، وعلاقتي بعمي وعيلته من كام سنة كانت بالنسبة ليا أنا ووالدي مستحيلة، لكن هو اتغير واحنا اتغيرنا والعمر بيجري بينا، ده مش معناه اننا بقينا عيلة سعيدة، لا بس سيبينها على الله ”
ابتسمت له هاجر بحنان، تدرك أن توتر العلاقات بينهم جميعًا أخذ يقل مع مرور الزمن، حتى أصبحت العلاقة رتيبة بعض الشيء، لكن كما قال هو ليدعوا الأمور تسير كما كُتب لها .
وضعت هاجر الكيك داخل الفرن، ثم نظرت لمحمود ببسمة تقول :
” عشرين دقيقة ونشوفها ”
ختمت حديثها تتحرك بين أروقة المطبخ تنظفه وهي تعقد شعرها للخلف مرتدية فستان يجعلها كالاميرات، اميرته هو، بسكوتته التي فاز بها في حياته تلك، الشيء الوحيد الهش في حياته المتيبسة كالصخور…
أنهت هاجر ما تفعل وقبل أن تستقر على المقعد امسك محمود الهاتف الخاص به يضع موسيقى هادئة يقول ببسمة :
” نكمل رقصتنا اللي مكملتش هناك ؟؟”
نظرت هاجر ليده بعدم فهم، لكنها رغم ذلك ابتسمت تمسكها بحب شديد، وهو جذبها لها يغمز بحب، ثم بدأ يتحرك بها ويدور داخل المطبخ بأكمله، على رائحة المخبوزات وصوت الموسيقى وقطرات المياه القليلة التي بدأت تتساقط في الخارج والأضواء الخافتة للمنزل عدا المطبخ، صنع محمود أجواء ساحرة كتلك في قصص الاميرات، أجواء تليق ببسكوتته الهشة واميرته الأرق..
ابتسم وهو يرى بسمتها تتسع أكثر وأكثر وصوت ضحكاتها بدأ يصدح في المكان ليضيف سحرًا خاصًا تجاوز سحر الموسيقى والامطار، مال محمود برأسه على خاصتها وهو ما يزال يدور بها، يرى أنه بالفعل عاد مدمنًا، مدمنًا للبسكوت النواعم الهش الذي يذوب في الفم بمجرد أن يمسه، مدمنًا لهاجر وما أروعه من إدمان!!!
___________________
يجلس في الخارج بعدما انتهى من تبديل ثيابه، يشعر أنه يحلم، أن كل ذلك ما هو إلا وهم جديد صنعه له عقله فقط كي لا يفقد روحه من الحزن، ربما يحلم حتى، أي شيء غير أنه يجلس في منزله الهادئ الصغير اللطيف، ينتظر زهرة كي تنتهي من تبديل ثيابها بعدما أصبحت زوجته وقضى معها ليلة من الاحلام .
تنفس سعيد بصوت مرتفع يبتلع ريقه وهو يدور في المكان بأكمله ينظر لأركان المنزل ويبتسم دون شعور، يرى أطفاله يركضون بين طرقات، يكاد يسمع اصوات ضحكاتهم تعلو في الإرجاء، ضحك بعدم تصديق لكل تلك الخيالات يدعو ربه أن يُتم سعادته بلا منغصات ..
شعر فجأة بكف رقيق يربت على كتفه وصوت أرق يهمس :
” سعيد بناديك…”
ابتسم سعيد يستدير لها يشهق من هول ما يرى، كانت كزهرة رقيقة، زهرة جميلة تقف أمامه مبتسمة الثغر وتحملق في ملامحه بترقب وتساءل .
ابتسم سعيد يقول بصوت خافت :
” بحاول استوعب إن نهاية حكايتي مكانتش بالبشاعة اللي أنا متخيلها، أنها اجمل نهاية كان ممكن احلم بيها في حياتي كلها يا زهرة ”
ابتسمت له زهرة تتحس وجهه بحنان ليميل هو مقبلًا كفها يهمس بصوت منخفض :
” زهرة أنا لو قعدت عمري كله اوصفلك شعوري دلوقتي، مش هيكفي ”
كانت زهرة تستمع له دون أن تقاطعه وهو يصف لها مقدار سعادته ودهشته مما آلت إليه الأمور، حتى تحدثت وهي تمد يديها تداعب خصلاته تقول :
” مش محتاج توصف يا سعيد لأن ده نفس شعوري كمان، تخيل بعد كل السنوات دي يتحقق الحلم الوحيد اللي تمنيته ومن قلبي كنت عارفة أنه مستحيل، سعيد أنا زمان كنت بدعي أن ياريت عرفتك في عالم تاني وزمن تاني، في حياة تانية وابقى مجرد عيلة مش فاهمة من الدنيا حاجة، مجرد واحدة لما تحب واحد تتجمع معاه بدون أي عواقب وتخلص الحكاية ”
سحبت زهرة يده تتحرك به صوب الأريكة لتجلسه أمامها، ثم ضمت كفيه بين يديها تجذبهم لها بحب :
” سعيد أنت باللي عملته مش بس حققت حلمك، لا أنت كمان حققت حلمي أنا كمان اني اكون معاك ”
نظر لها سعيد يقول بصوت خافت بود الاطمئنان أنها لن تتركه في ذلك الطريق وحده، إن يوم عاد شيطانه لتلبسه في غفلة منه:
” زهرة أنا قعدت تلات سنين في المصح اتعالج، عالجت قلبي وروحي، لكن …لكن خايف يكون لسه طريقي طويل و …”
قاطعته زهرة تقول بأعين لامعة :
” هكمله معاك يا سعيد، ايًا كان الطريق ده هنمشيه سوا، أنت قدرت تعدي الصعب واللي باقي هنخوضه سوا، وأنا معاك، الباقي نقدر نعمله سوا”
صمتت ثم قالت تحاول أن تشرح له سبب ابتعادها عنه سابقًا :
” في البداية علاجك ده كان قرارك لوحدك، أنك تعدي كل ده كان بايدك أنت ومحدش كان يقدر يساعدك فيه، لكن اللي جاي بتاعنا يا سعيد، اللي جاي بتاعنا أنا وأنت، وانا همشي معاك الطريق، بس مش كطبيبة أو صديقة أو حتى شفقة زي ما كنت بكدب وبقولك، لا همشيه معاك كزوجة وحبيبة مستعدة تخوض معارك عشان تبني مستقبل سعيد معاك يا سعيد ”
ابتسم لها سعيد بسمة واسعة ليضمها لصدره بقوة يقول مقبلًا رأسها:
” وسعيد هيعمل كل اللي ربنا يقدره عليه عشان زهرة ومستقبله مع زهرة، وقبلهم عشان نفسه ”
ربتت زهرة أعلى رأسه كمعلمة تشجع تلميذها :
” برافو عليك يا سعيد عشان نفسك اهم حاجة ”
مال سعيد يضع رأسه أعلى قدم زهرة يضم نفسه لها هامسًا :
” أنتِ نفسي يا زهرة …”
مالت زهرة بوجهها عليه تهمس له بحب :
” بحبك يا سعيد ”
نظر لها يهمس بحب شديد :
” اعتقد أن ردي وصلك من سنين يا زهرة، أنا عديت المرحلة دي من زمان من أيام ما كنت بدفع للأمن عشان يدخلني الكلية عندكم واجيبلك سجق ”
ضحكت زهرة تميل عليه تقبل وجنته بحب وهو ينظر لها بحب.
وتلك الليلة تحديدًا، كانت الليلة التي شعر سعيد نفسه فيها حرًا، لأول مرة لم يرد النوم هربًا من شيء، بل أراد أن تطول ليلته هكذا، يستند برأسه على قدمها تداعب خصلاته بحب وتسمعه من حكاياتها ما يسلب لبه…
وهكذا حدث، قضى الاثنان ليلتهما الاولى يتحدثان بين أحضان بعضها البعض، يعوضان سنوات طويلة من الصمت بينهما، يرويان سنوات من الجفاف، يرتشفان من بعضهما البعض ما يسد رمق جوعهما لبعضهما، ولا يظنا أن هذا سيحدث يومًا ….
______________________
متسطحة على الفراش تحدق بالسقف من ساعة تقريبًا، ليس وكأنها تعاني ارقًا أو ما شابه، أو أنها تحب عد نقوش سقف منزلها، لكن السبب كان أن صالح يجبرها منذ عادت من الزفاف أن تتسطح بهذا الشكل رافضًا رفضًا تام أن تتحرك نصف حركة قبل أن ينتهي من فحصها الأول للحمل بعدما قرر هو دون أخذ استشارتها أن يفحصها كل ساعة مرتين .
بلل صالح إصبعه باستخدام فمه، ثم أخذ يقلب صفحات الكتاب يرتدي نظارة لا يحتاجها من الأساس، لكنه أحب أن يتقمص الدور بامتياز، أخذ يهمهم بكلمات غير مفهومة يقرأ ما دُوّن أمامه في الصفحات ..
ورانيا تشاهد السقف وهي تضع يديها أعلى معدتها تزفر بضيق كبير قبل أن تقرر متهورة أن تنهض تاركة إياه يكمل قراءة كتابه، لكن وقبل أن تتحرك امسكها صالح بسرعة ينظر لها من أسفل النظارة محذرًا :
” حضرتك رايحة فين ارجعي مكانك ”
” هو ايه اللي رايحة فين؟؟ عايزة اقوم خلاص زهقت يا صالح أنت بقالك ساعة مقعدني قدامك من غير ما تعمل اي فايدة، قاعد بس تقرأ في الكتاب ده ”
رمقها صالح بحنق شديد من حنقها :
” وهو كل ده عشان مين ؟؟ مش عشانك، اتفضلي نامي قدامي لغاية ما اوصل للفصل بتاع الشهور الاولى في الحمل ”
اعتدلت رانيا في جلستها تقول بحنق شديد :
” شهور ايه ؟؟ وايه ده ؟؟ ايه الكتاب ده بالله عليك ؟! في بيتنا حامل ؟؟ هو ده اللي هتستعين بيه في فحصي ؟ ثم أنت نظرك مش ضعيف لابس نضارة ليه ؟!”
انتزع صالح النظارة يقول متأففًا :
” ما أنا وصيت صاحبي دكتور النسا يجبلي كتب من عنده عشان اذاكرها لأن معرفتي بالمجال ده في حدود شغلي أنا بس، يعني أنتِ لو جثة حامل أنا هعرف اشرحك، بس أنتِ لسه عايشة ”
كان يتحدث بكل بساطة يصف لها معاناته في كونها حية مما يصعب عليه عمله في فحصها، أضاف صالح غير منتبهًا بنظرات رانيا المصدومة :
” بعدين الكتاب ده قيم وعرفت منه حاجات كتير اوي زي أن الستات ممكن تاكل بني ادمين وهي حامل”
” والله ؟؟ ليه حامل في مستذئب؟! هات ام الكتاب ده ”
انتزعت منه الكتاب والقته بعيدًا تنظر له بشر وهو تراجع للخلف يقول ممازحًا :
” ايه هتتحولي ولا ايه ؟؟ لا خلي بالك هروح اجيب فص توم اخلص عليكِ، ارجعي لورا ”
نهضت رانيا عن الفراش تتحرك له بحنق :
” فص توم ؟؟ ده آخرك في الدفاع عن النفس ؟؟ ”
” اجيب معاه بصلة ؟؟”
” التوم ده لمصاصين الدماء، إنما الفضة هي اللي بتقتل المستذئب، قال ومسمي نفسه دكتور ودارس وهو حتى متفرجش على فيلم مستذئيين واحد ”
زفرت رانيا بحنق تتحرك بعيدًا عنه خارج الغرفة بأكملها تتمتم بحنق وكلمات منزعجة وصالح يراقبها ببسمة واسعة تحولت فجأة لضحكة عالية يراها تدخل المطبخ تبحث عن طعام لها..
لحق بها صالح يقول بجدية :
” الكتاب بيقول أن الست الحامل مينفعش تاكل بعد الساعة ١٠ بليل ”
نظرت له رانيا ساخرة تخرج من الثلاجة بعض الطعام تدسه في فمها بعناد كبير :
” دي الست اللي عاملة دايت يا حبيبي، الست الحامل بتاكل في أي وقت وأي مكان، واوعى من وشي لأحسن انفذ معلومة من الكتاب العجيب ده واكلك أنت شخصيًا”
ابتسم صالح بسمة جانبية يميل يوجهه بعض الشيء للاسفل حتى أضحى مظهره مريب كذئب أسفل ضوء القمر يستعد للتحول، لذا سريعًا ركضت رانيا صوب المطبخ تمسك بعض الثوم تقول :
” ارجع لورا بدل والله هملالك المكان كله توم ”
اتسعت بسمة صالح يقترب منها بخطوات خطرة جعلتها تعود للخلف وهو يردد مبتسمًا باتساع :
” هتروحي فين ؟؟ اخرك الرخام وراكِ ”
بدأت رانيا تصيح بصوت مرتفع بعض الشيء تقلد الأفلام التي كانت تدمن مشاهدتها قديمًا :
” Help …help ”
وقبل أن تتبع كلماتها المستغيثة بكلمة أخرى انقض عليها صالح يتلقفها بين أحضانه يضمها لصدره يميل على رقبتها يدغدها بذقنه واسنانه ممازحًا، وهي انفجرت في الضحك تترك من يدها الثوم تحاول دفع رأسه عنها :
” يا عم عضني ارحم، مش بحب حد يزغزغني يا صالح”
كانت تتحدث وهي تطلق ضحكات مرتفعة يرن صداها في المكان وصالح يحملها بين يديه يرفعها أكثر حتى أصبحت بطوله وظهرها مستندًا على صدره، يسير بها للخارج :
” هحولك لذئبة صغيرة بيضة وهاخدك نروح أي غابة نعملنا عشة هناك ونقعد فيها وكل يوم نطلع نصطاد غزالة ونرجع نشويها وناكلها ”
ولشخص كرانيا عاش سنوات مع صالح واعتاد حديثه، وطريقته في التعبير عن حبه، كانت تلك الجمل والخيالات أكثر الجمل الرومانسية التي سمعتها، إذ اتسعت بسمتها وصالح ما يزال يتحرك بها صوب الأريكة :
” تصدق حبيت الفكرة، أنا موافقة ”
أطلق صالح ضحكات مرتفعة وهو يميل ملتقطًا قبلة من خدها، يعجبه أن تشاركه خيالاته الحمقاء، واخيرًا جلس على الأريكة يجلسها بين أحضانه، يضمها له بقوة قائلًا :
” يعني نلغي رحلة سنغافورة ونروح أي غابة ؟؟”
نظرت له رانيا تقول وقد تذكرت فجأة :
” سنغافورة ؟! ده انا كنت قريت انسانها ”
” وأنا عمري ما انسى يا رينو، خلاص أنا جهزت الإجازة والاولاد لبستهم لصلاح وميمو ياخدوا بالهم منهم ”
نظرت له رانيا بتعجب :
” وصلاح وافق ؟؟”
هز رأسه يقول بحب :
” أكيد صلاح مش بيرفضلي حاجة، اساسا صلاح هو اللي حجز ليا التذاكر، ثم اني اغريته اكتر عشان يوافق، قولتله لو خدتهم ربيهم، وأنتِ عارفة صلاح مش بيقاوم الإصلاح، فعجبته فكرة أنه يربي عيالي ووافق فورًا ”
ضحكت رانيا على حديثه تقول :
” على رأيك خليه يربيهم يمكن نرجع نلاقيهم زيه ”
” دلوقتي زيه؟! مين اللي من كام يوم قالي ياريت كل الناس زيك يا صالح ”
ابتسم تقول بحب :
” أنا طبعا يا صالح، ولسه عند كلامي يا قلبي، ياريت كل الناس يكون عندها حنان صالح وقلب صالح ”
ابتسم صالح يميل عليها هامسًا بحنان :
” مفيش يا قلبي عشان محدش في جمدان صالح اساسا”
رفعت حاجبها ساخرة ليغمزها هو بلطف، وهي ارتفعت بجسدها تقبل جبهته بحب، ثم ربتت اعلى رأسه تقول بجدية :
” عندك حق عمر ما حد هيكون زي صالح، هو في الدنيا دي فيه صالح واحد بس، وانا كنت الشخص المحظوظ اللي فاز بصالح ده ”
ابتسم صالح بسمة واسعة، يداعب معدتها بيده مستندًا على كتفها بذقنه :
” وأنا كنت محظوظ اني قدرت أخذ الجوهرة من بين أربع وحوش، وكله بفضل الله اولا ثم محمود ”
نظرت له رانيا بتعجب ليقول صالح بجدية :
” لولا الزفت اللي محمود حطه زمان في العصير وصلاح شربه كان زمان صلاح هو اللي راح المؤتمر مش أنا، ولولا دماغ محمود اللي خليته ياخد تليفونك من غير ما يحس مكنتيش جيتي ورانا ولا شوفتك ولا عرفتك اساسا ”
ابتسمت رانيا بحنين قبل أن تطلق ضحكات مرتفعة تتذكر تلك الأيام، بالله متى مر كل ذلك، هي تشعر أنها البارحة فقط كانت في سيارة تتحرك صوب القاهرة بقلب كاره غاضب تبحث عن ذلك اللص الذي أخذ هاتفها ظنًا أنه صلاح السقاري وليس توأمه وتوأم روحها صالح .
كل تلك التدابير ليجمع الله بينها وبين نصفها الآخر، كل شيء مقدر وكل الاقدار قد كُتبت منذ يوم مولدها، وقدرها أن تحوز صالح بكل ما فيه حديثه ونظراته وحنانه و مشاعره الصافية .
أفاقت على صوت صالح الذي قال بصوت خافت حوار أذنها :
” سرحتي في ايه ؟! ”
” سرحت في الايام اللي مرت علينا، مين يصدق أن كل ده مر وإن بعد كل الخناقات دي وتهديدك ليا، نقعد القعدة دي ونتكلم بالشكل ده ؟؟”
تنهد صالح بصوت مرتفع يقول :
” تدابير هي يا رانيا، اني اشوفك واحبك وأحط في دماغي تكوني ليا غصب عن عين اخواتك الأربعة، دي تدابير ياقلبي، ونعمة هعيش عمري احمد ربنا عليها ”
استدارت رانيا تضم يده صالح بين كفيها تقول بحب :
” ربنا يخليك ليا يا صالح ”
ابتسم صالح يقول بصوت خافت :
” رانيا ”
” نعم ؟؟”
مال عليها يهمس جوار أذنها بنبرة سببت لها قشعريرة :
” ايدك ريحتها توم ”
اتسعت أعين رانيا تعود للخلف بصدمة كبيرة، وصالح ابتسم يقول بنبرة عادية وكأنه للتو لم يمسك رانيا التي كانت تحلق عاليًا ويقص أجنحتها، ثم يلقيها ارضًا :
” أنا بحب التوم، بس مش بحب ريحته، روحي اغسليها وتعالي نكمل كلامنا ”
اشتدت ملامح رانيا تقول بحنق :
” والله ؟!”
” اه والله ”
انتفضت بعيدًا عنه تقول بغيظ وغضب شديد :
” لا خلاص فضيناها رومانسية انهاردة، جه وقت الفاصل الإعلاني، وهدخل أنام ”
نظر لها صالح بعدم فهم ينهض من مكانه يركض خلفها صوب الغرفة :
” انا بتكلم جد والله مينفعش تنامي وايدك ريحتها توم على فكرة، افرضي وأنتِ بتتقلبي ايدك نزلت على وشي ؟؟ وقتها هيبقى ريحتي توم ”
صمت ثم قال يشرح لها بجدية منقطعة النظير :
” بعدين معروف إن العفاريت بتنجذب لروايح الايد يعني لو نمت مثلا وايدي ريحتها فراخ او صلصة العفاريت هتيجي تاكلها، ودلوقتي هيشموا ريحة التوم وهياكلوا ايدك ”
توقفت رانيا تحرك ذراعيها في الهواء ساخرة :
” والمعلومة دي قرأتها في كتاب ايه ؟؟ في بيتنا عفريت ؟؟”
اجاب صالح بعفوية وبساطة :
” لا أميرة قالتها ليا وانا صغير ”
قالت رانيا بحنق تصرخ في وجهه :
” تلاقي عشان كانت شيفاك معفن وبتنام وأنت مش غاسل ايدك ”
التوى ثغر صالح :
” لا على فكرة كنت بغسلها، بس ساعات كنت بنام وأنا ماسك الاكل ”
أطلقت رانيا ضحكة عالية عليه تهز رأسها بيأس :
” ولغاية دلوقتي بتنام وأنت بتاكل وباجي الاقي الاكل مرمي حواليك يا صالح، اعترف يا صالح هتعيش صالح وتموت صالح ”
ابتسم صالح يهز كتفه يقول :
” بابا برضو بيقولي كده ”
” بيقولك ايه ؟؟ هتعيش صالح وتموت صالح ؟؟”
أطلق ضحكاتهم يقترب منها يحملها بين ذراعيه :
” لا كان بيقولي هتعيش كوز درة وتموت كوز درة ”
نظرت له بفضول شديد وهو ما يزال حاملًا إياها يتحرك صوب مخضعهم :
” ودي حاجة وحشة كوز الدرة ؟؟”
ابتسم صالح يغمز لها :
” ده على حسب علاقتك بكوز الدرة وزاوية رؤيتك ليها، يعني لو اخرك تشوفيها نبات عنده شعر منكوش زيي كده، يبقى حاجة مش حلوة بس مش وحشة، ولو شوفتي لونها الدهبي اللي مستخبي ورا ورقها يبقى حاجة حلوة، أنتِ بقى شايفة ايه ؟؟”
ابتسمت رانيا وهي تراه يضعها على الفراش بحنان ينظر لها بحب شديد لتقول بكل بساطة :
” شيفاه كل حاجة وحباه بشعره المنكوش قبل لونه الدهبي …”
مال عليها صالح هامسًا بحب :
” وكوز الدرة بيحبك ”
جذب صالح رانيا لاحضانه بحب شديد يستمتع بكلماتها التي أخذت تتلوها على مسامعه وهو يشاركها تلك الكلمات ويزيد عليها بأسلوبه، مبتسمًا سعيدًا، يحب أنه وجد من يتقبله كما هو ولم يطالبه يتغييرًا، من يراه كوز ذره ويحبه ككوز ذرة ….
_______________________
أما عن الألف خاصتنا، فكان شامخًا كعادته، يترأس كامل الحروف بهيبته ورقيه، وتلك الهمزة التي تعلو رأسه كما لو كانت قبعة أو تاج يضيف له رقي اضافي ..
ابتسم يختم اخر كلماته على جهاز الحاسوب أمامه، ينفذ ما وعد به لنفسه اليوم حينما رأى الجميع يصطفون لأخذ صورة جماعية، سيضع كلمة النهاية في جزء روايته الاول ..
ومع آخر كلمات وضعها ابتسم صلاح يعود بظهره للخلف يشعر بتعب شديد في فقرات ظهره، نزع نظارته يفرقع أصابعه يراقب الكلمات التي تنعكس في عيونه، ولم يكد يتحرك من مقعده حتى شعر بمن يخيم عليه وينظر للجهاز ويطيل النظر به.
استدار صلاح نصف استدارة لميمو التي كانت ترمق ما كتب بفم مفتوح واعين ملتمعة، شعرت برعشة تمر في سائر جسدها، مدت يدها تتحسس شاشة الحاسوب تشعر بقرب دموعها، تقرأ الاسم المدون في خانة العنوان، فقد خطّ صلاح اسمها وقرر أن يصبح هو عنوان قصة حياته، كتبها دون تردد أو تفكير ( مَقْدس) و في نهاية الرواية كتب بعض الكلمات التي قرأتها بشفاه مرتجفة..
جذبها صلاح لترتاح جواره خوفًا أن يرهقها الوقوف، نظرت له تقول :
” الكلام ده عشاني يا صلاح ؟؟”
همهم صلاح بحب يدفن وجهه في رقبتها يقبلها بحنان شديد :
” كل كلمة عشانك يا مقدس ”
” والجملة اللي في الآخر دي …دي ….”
ابتسم صلاح يتلو عليها تلك الجملة التي كتبها خصيصًا لأجلها:
” قبل كده قولتي ليا أن اسمك مش وراه قصة عظيمة زي ما أنا مفكر، لكن يا مقدس اللي يعرفك يعرف أن اسمك وراه قصة أعظم مما يتخيلوا ”
سقطت دموع ميمو تسمع صوته يردد بحب :
” مقدس و كنتِ كالمقدس، جميلة نقية وبريئة، حتى دنستك ايادي معتدية قذرة، ظنوا أن مصيرك سيكون كالمقدس محتل مقهور، ونسوا أن المقدس انتفض، وأنه مهما طالت أياديهم النجسة فما لهم من دوام، وأن طهارة المقدس ما طالتها يدٌ يومًا ”
هبطت دموع ميمو تشعر أن صلاح اختصر حياتها بأكملها في جملة، قالت مبتسمة من بين دموعها :
” تفتكر ماما لما سمتني الاسم ده، كانت عارفة اني هاخد نصيبي منه بالشكل ده؟؟ هيتم انتهاكي ويدنسوني ؟!”
” وتنتفضي مرات ومرات لغاية ما تتحرري من كل ده يا مقدس ”
نظرت له مقدس مبتسمة تمسك كفه تقبلها بحب :
” أنا اتحررت فعلا وقت دخول صلاح لحياتي، وزي ما ربنا رزقني بصلاح السقاري يرجعني لنفسي، هيجي من تاني صلاح الدين يرجعه ”
ضمها صلاح لصدره يقبل رأسها بحب شديد :
” عما قريب مقدسي، عما قريب ياقلبي ”
هزت مقدس رأسها تثق أن الأمر مسألة وقت، فقط مسألة وقت حتى ينتهي كل ذلك وتحدث انتفاضة كبرى ..
أخذت تقرا بعض الكلمات دون ترتيب لتبتسم قائلة :
” ذكرت صالح في قصتك ؟!”
اتسعت بسمة صلاح يقول بصدق :
” تقدري تقولي إني كملت قصتي بوجود صالح، لأن من غيره كانت هتبقى ناقصة، من غير صالح قصة صلاح مش هتكمل”
تنفست ميمو تقول بحب شديد :
” بتمنى من ربنا أنس يحب اخوه الجاي زي حبك لصالح وحب صالح ليك يا صلاح ”
” هيكون يا ميمو، هيكون باذن الله ”
تنهد ينهض من مكانه حاملًا إياها بين ذراعيه يتحرك صوب غرفتهما يقول بجدية كبيرة :
” ودلوقتي يلا عشان ترتاحي، كفاية فضلتي واقفة طول الفرح زي ام العريس ”
ابتسمت ميمو تقول بجدية :
” أنا ام العريس فعلا، ويكون في علمك بكرة الصبح الساعة ستة نطب على سعيد عشان نوديه ليه الصباحية ”
أطلق صلاح ضحكات رنانة في المنزل يقول بعدم تصديق :
” صباحية؟ يا ميمو يا قلبي صباحية ايه ؟؟ الحاجات دي انتهت من زمان، ثم أنتِ لو عملتي كده، اضمنلك سعيد يرميك من شباك شقته وانا هرميه وراكِ وفي الآخر هتسجن، وعلينا بايه ده كله ؟؟ احنا نعيش في سلام ونسيب الراجل يتهنى بعد السنوات العجاف دي ويبقى، ننكد عليه عيشته من بعد اول اسبوع اتفقنا ؟؟”
نظرت له ميمو تفكر في حديثه بجدية كبيرة :
” مش عارفة سيبني افكر في الموضوع، بس اسبوع صعب، مش عارفة إذا كنت هآمن عليه اسبوع من غير مراقبة ولا لا ؟؟ افرض عمل حركة كده ولا كده ؟!”
” يبقى نبلغ عنه ياقلبي ”
كان يتحدث وهو يربت أعلى رأسها وكأنه يتحدث لفتاة صغيرة، لكن ميمو استحسنت الفكرة بالفعل :
” أيوة يبقى يروح يونس الشيخ شاهين هناك ..صحيح عملت ايه في حوار الشيخ شاهين لاحسن سعيد زعلان اوي وعايز يخرجه في اسرع وقت ”
نظر لها صلاح بيأس يتحرك ليحضر لها مشروبًا، لتنهض هي وتسير خلفه، نظر لها صلاح يقول بسخرية :
” ده أنتِ لسه مكملتيش جملتك اللي هتسجنيه فيها، وهوب قلبتي وبقى قلبك عليه وعايزة تفرحيه ”
ابتسمت ميمو تجلس على أحد المقاعد في المطبخ تقول بعدم فهم :
” والله انا نفسي يا صلاح مش فاهمة رأيي في سعيد، احيانا بحس إني عايزة اوريه الويل، لكن وانا بوريه الويل بيصعب عليا ”
ابتسم لها صلاح يضع أمامها كوب حليب به بعض التمرات والعسل، ثم جلس يقول بهدوء شديد ومنطقية :
” أنا في ده كله ميهمنيش غير سعادتك وراحتك يا مقدس، يعني توريه الويل أو تطبطبي عليه، المهم تكوني مرتاحة ياقلبي ”
ابتلعت ميمو ما تشرب وقالت ببسمة :
” أنا مرتاحة وانا معاك يا صلاح ”
ابتسم لها صلاح يراقبها ترتشف عصيرها براحة كبيرة، وصوت آيات القرآن يصدق في المنزل، يخرج من ذلك الراديو الصغير الذي احضرته ميمو ووضعته به تيمنًا بوالدتها، قائلة أن ذلك يجلب دفء وبركة للمنزل .
وبمجرد أن انتهت، ناولها صلاح كوب الماء لتحمله وينهض هو يحملها بدوره متحركًا بحذر صوب غرفتهم، وميمو تنظر له بحنان متسائلة :
” صلاح أنت هتنشر الرواية اللي سميتها مقدس دي ؟؟”
نظر لها صلاح يسألها :
” أنتِ حابة ايه ؟؟”
” أنا حابة تعملها كتاب ورقي تحطها في المكتبة عشان عيالنا وأحفادنا باذن الله ”
قبل صلاح خدها أثناء وضعها على الفراش، يأخذ منها كوب الماء واضعًا إياه جوارها، ثم سحب المفرش يردد بهدوء شديد :
” عيوني ليكِ، ايام قليلة وتلاقي نسختين منها في المكتبة، وهعمل الغلاف صورة العيلة، أي طلبات تاني مقدس هانم ؟!”
ابتسمت مقدس تقول :
” آه، عايزة أنام في حضنك ”
خلع صلاح نعله المنزلي، وتحرك على الفراش بحذر كي لا يتسبب في إزعاج مقدس، وبمجرد أن تسطح عليه، هجمت هي على احضانه تضم نفسها له بحب شديد وقد هدأت تستمتع بصخب دقات قلبه، تغمض عيونها بنعاس شديد متسائلة قبل أن تغط في النوم :
” صلاح هو مين الألف اللي كاتبه في القصة ده ؟؟ حاسة أنك ذكرت حاجة قبل كده عن الألف ده ”
ضحك صلاح بخفوت يقول :
” ابويا كان دايما يشبهنا أنا وصالح بالالف وكوز الدرة، فطلع عليا اني الألف وصالح كوز الدرة”
تساءلت بصوت خافت مهتم :
” وصالح مش بيزعل من الموضوع ؟!”
قال صلاح وهو يحرك أصابعه بين خصلاتها الحبيبة برقة :
” كان بيزعل زمان وهو صغير، كان بيقول للحاج، بلاش الدرة عشان مش بحبها، قولي يا مانجة ”
أطلقت ميمو ضحكات مرتفعة بعدما كادت تسقط في النوم، لكن كلمات صلاح ايقظتها لتدخل في موجة عارمة من الضحك، وصلاح مستمر في حكايته :
” كان متضايق بس لانه مش بياكل الدرة اساسا، مش عشان اللقب نفسه مع العلم ابويا سماه كده عشان شعره مش اكتر، ولما قولتله وانا صغير بحسن نية خلاص يا صالح لو عايز هقول لبابا يسميك أنت الالف، لوى بؤقه وقال لا عشان الألف أول واحد بيتسأل في الشفوي ”
ولم تكد ضحكات ميمو تتوقف حتى عادت للضحك مرة أخرى وبقوة شديدة، تنظر له تقول :
” صالح ده مش طبيعي بجد، من صغره وهو دماغه دي مسافرة لمكان تاني ”
هز صلاح رأسه مبتسمًا بحنان شديد :
” صالح من صغره كان زي الملاك، نقي وطيب وحنين، يمكن مشكلته إن مفيش فلتر قبل ما يتكلم، لكنه طول عمره حنين اوي ”
” طب وهو تقبل امتى موضوع الدرة ده ؟!”
تنهد صلاح يشرد مبتسمًا في ذكريات بعيدة في عقله، قريبة من قلبه :
” في مرة واحنا قاعدين العصر في الغيط، بص قدامه على محصول الدرة وقالي، تعرف يا صلاح أنا مبقتش زعلان عشان ابويا بيقول عليا كوز درة، عشان كوز الدرة زي الدهب والدرة مفيدة وليها استخدامات كتير ومحافظة على قلبها الدهبي على طول”
تنهد يقول بحب :
” وبعد سنين من ده كله أنا فعلا تأكدت صالح لايق عليه الدرة، لأن رغم اللي مر بيه صالح واللي شافه فضل محاوط نفسه بأوراق كتير من برة عشان يحافظ على قلبه الدهبي اللي جوا ونجح في كده ”
ابتسمت ميمو يعجبها الأمر كثيرًا :
” وأنت بتحب الألف ؟؟ ”
نظر لها ثم قال ببسمة :
” تقدري تقولي تأقلمت إني أكون ألف، الألف مش طول الوقت مهم ومش طول الوقت هيبة، الألف ممكن يكون ألف وصل وميكونش ليه همزة، وممكن يجي عشان بس يسند التنوين، وممكن يجي مرافق لواو الجامعة لكن ملوش نطق، وممكن نقلبه ياء في آخر الكلمة ونسميه ألف لينة، الألف هو اللي بيتأقلم مع فكرة إن مش لازم وجودك في الحياة يكون أساسي، بس وقت ما تكون موجود أساسي متسمحش لحد يغطي عليك من باقي الحروف، فهماني يا ميمو ؟؟”
ابتسمت ميمو. باعجاب شديد تهز رأسها ليقول صلاح ببسمة :
” ببساطة، مش شرط يكون الألف مهم ومدح، ولا شرط يكون كوز الدرة نكرة وإهانة، احيانًا كوز الدرة بيغلب الألف، وفي الحقيقة، الألف ملوش أهمية من غير كوز الدرة يا ميمو ”
صمت ثواني، ثم أضاف وهو يجذبها لاحضانه أكثر مبتسمًا :
” ولا له أهمية بدون مقدسه الحبيب …”
وبتلك الكلمات استكانت مقدس بين أحضان صلاح، صلاحها الذي جاء ليرمم كل انقاضها التي خلفتها الايادي المدنسة، جاء ليعيد روحها من جديد، وصلاح ابتسم يقبل وجنتها بحب متقبلًا اليوم نهاية لجزء مهم من حياته ….
___________________
شجار وهاتف …
خبث وانتقام …
نباتات وبعض المخبوزات …
قضية ومسوؤلية …
براءة وإشارة ….
ماضي وعشق ….
لايهم ما جمع بينهم، ولا يعينهم كيف بدأت القصة بين كلٍ منهم ونصفه الآخر، ففي النهاية هي بدأت، سواء كانت تلك البداية برغبتهم أو لا، سواء كانت مرضية أم لا، هي بدأت وانتهى الأمر، لكن النهاية كانت بأيديهم هم، هم من وضعوا نهاية قصصهم، وخطوا باناملهم كلمة ” الخاتمة “، من ابتسموا للكاميرا البسمة الأخيرة قبل أن تزين الشاشة كلمة ” النهاية ” …
لكن لحظة تلك لم تكن نهاية القصة، هي فقط نهاية تمهيدية لبداية أخرى، بداية قصة هم من يختارون كيف ستكون، ويقررون بأي شكل ستستمر .
وسواء كنت من محبي الألف أو من مشجعي كوز الذرة، ففي النهاية لا غنى للألف عن كوز الذرة، ولا وجود لكوز الذرة بلا الألف، وما كانت حكايتنا تلك سوى محاولة بسيطة لتوضيح ” ما بين الألف وكوز الذرة” ….
وبكامل الأسف وللمرة الأخيرة هنا أخبركم ..
دمتم سالمين
رحمة نبيل
_ تمت بحمد الله _

لقراءة باقى حلقات الرواية اضغط على : (رواية ما بين الألف وكوز الذرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *