روايات

رواية ديجور الهوى الفصل السادس عشر 16 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى الفصل السادس عشر 16 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى البارت السادس عشر

رواية ديجور الهوى الجزء السادس عشر

ديجور الهوى
ديجور الهوى

رواية ديجور الهوى الحلقة السادسة عشر

“كلما أردت أن أطوي هذه القصة بيننا، يعذّبني الأمَل.”
#مقتبسة
اشتقت ان ابتسِم حُباً .
#مقتبسة
‏”أصوم عن الأشواق ولكن خواطري تسافر في عينك قسرًا .. فأفطر”
#مقتبسة
إنّ مَوطني الحَقيقي هو ذاكَ القلبُ الّذي يَعرفني أكثر من أيّ شخص، و يَقبلني رُغم كُل شيء، و يَحميني كما يجب، و يَعودُ إليّ و أعود إليه مَهما حدث.
مقتبسة.
____________
“بعد مرور ثلاثة أيام”
في منزل كمال وداليا.
صنعت داليا عصير البرتقال الطازج من أجلها ومن أجل زوجة شقيقها عزت (جهاد) البالغة من العمر ثلاثون عامًا تقريبًا ومنذ زواجها من عزت تكونت صداقة بينها وبين شقيقته قوية جدًا؛ نادرًا ما يختلفا، لديها ثلاثة أولاد..
أقرب اختلاف حدث بينهما عندما تقدم كمال لخطبة داليا وبعدها موافقة داليا السريعة ووقتها لم يعجب جهاد الأمر كله وقامت بلومها، فهي تدرك بأن داليا ترغب في رجل مختلف حسب طلباتها وهو أن يتحمل اهتمامها بوالدتها، وأيضًا التجربة السابقة التي مرت بها جعلتها تفكر بطريقة مختلفة، وهناك عامل أيضًا رُبما عمرها، فالجميع كان يرى بأنها تقترب من الثلاثون عامًا ما يفصلها عنها بضعة أشهر، وأن الفرص أصبحت قليلة لمن هم في حالتها تحديدًا أن هناك بعض الشباب لا يفضلون الارتباط من أمرأة سبق أن عُقد قرأنها هكذا كان أغلب حديث الناس لها، ورُبما لارتياحها الغريب إلى كمال وافقت…
ووقتها اعترضت جهاد فهي لا تحبذ أبدًا بأن تتزوج داليا من رجل متزوج أو حتى أي أمرأة غير داليا مهما كانت ظروفها أو دوافعها تعلم أنه شرع الله؛ وهي تتقبله كونها أمرأة مسلمة، ولكنها أيضًا أمرأة ذات مشاعر، تضع نفسها مكان زوجة أي رجل يتزوج عليها زوجها فلا تحبذ الفكرة أبدًا ولا تتمنى أن تمر بها، لذلك لا تقبلها على أحد.
وبعد أن قام بزيارتها العائلة وكل أصدقائها ومعارفها، أتت جهاد لزيارتها وحتى تقوم بمصالحتها وأيضًا لرغبتها في نصحها، فهى لا تريد أن تفترق عنها على أي حال، هي صديقتها المُقربة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، منذ أن دخلت العائلة وهي ابنة الثامنة عشر عامًا.
بدأ الحديث بينهما بداية تقليدية وسرعان ما ولجت جهاد إلى صُلب الموضوع هنا أتسعت عين داليا برفض وبتوتر رهيب….وهي تستمع إلى حديث جهاد….
فقاطعتها داليا برفض واضح:
-جهاد انا مش هعرف أعمل اللي بتقوليه ده، أنتِ بتهزري صح؟!.
نظرت لها جهاد باستنكار وهي تقول:
– هو ايه اللي بهزر ويعني ايه اللي مش هتعرفي يا داليا؟ هو أنا بقولك انتحري؟! أنا بقولك خدي برشام منع حمل، كل الستات بتاخده عادي اول الجواز لغايت ما الدنيا تستقر.
تمتمت داليا بخوف حقيقي:
-بس اللي اعرفه يعني أن اي مانع حمل لازم اروح لدكتور الاول يشوف حالتي ويحدد الوسيلة المناسبة ولا ايه؟!.
قالت جهاد بعدم اقتناع:
-ياستي فكك من كلام فيديوهات الفيس ده، برشام منع الحمل من زمن الزمن وأمهاتنا واجدادنا بياخدوه وزي الفل وأول ما بيبطلوه بيحملوا علطول بعدها.
هتفت داليا بتردد وهي تنظر لها في توجس:
– بس أنا سني كبيرخلاص داخلة على التلاتين.
-اومال لو داخلة على الاربعين هتعملي ايه فينا؟!.
غمغمت داليا بوضوح:
-أنا بتكلم من ناحية علمية كل ما أكبر كل ما فرص الحمل بتقل.
وقبل أن تفحمها جهاد معترضة ومخبرها أياها عن مدى خبرتها العظيمة وأنها تعلم عنها وأنها تريد مصلحتها وهذا بالفعل حقيقي هي تريد لها الخير، تحدثت داليا مسترسلة حديثها:
-وبعدين أنا ليه اعمل كده؟!! أنا مش فاهمة وجهة نظرك يا جهاد؟!.
هتفت جهاد بضيقٍ محاولة توضيح وجهة نظرها:
-علشان ده راجل اتجوز على مراته وأي حد يتجوز على مراته ملهوش أمان، وأنا شايفة أنك تحرصي منه ومتحاوليش تحملي بسرعة استني لما نشوف اخرته ايه على الأقل وناوي على ايه وتعرفي طباعه أكتر، احسن بعد كده مراته تحلى في عنيه ويرميكي.
هي لا تعرفه منذ كثير ولكنها أجابت عن ثقة لا تدري من أين اكتسبتها في تلك المدة القصيرة جدًا:
-كمال مش كده، كمال كويس ومحترم وفي الفترة اللي شوفته فيها ولغايت دلوقتي أنا مشوفتش منه اي حاجة وحشة أبدًا.
قالت جهاد عن اقتناع:
-كل الرجالة في الأول محترمة مفيش راجل بيجي يقول أنا ابن ****.
تمتمت داليا بحيرة شديدة استطاعت وضعها جهاد بها:
-وبعدين أنا ليه اعمل كده؟ واصلا حتى لو اللي بتقوليه صح أنا من اول مرة قعدت مع كمال وهو وضحلي وجهة نظره في الجواز مني وأهدافه من الجواز التاني، يعني هو مخدعنيش ولا كدب عليا علشان أنا اعمل معاه كده.
ها هي تتحدث بالعقلانية التي تغضب جهاد في بعض الأوقات بسبب منطقها الغريب، وعقلانيتها الزائدة عن الحد المطلوب في الحياة…
قالت جهاد باستنكار:
-هو أنا بقولك خديها العمر كله؟ انا بقولك شهرين تلاتة لما تشوفي الدنيا ايه اخبارها.
عقدت داليا ساعديها وكان هناك جزء بداخلها رافض الأمر كله وجزء أخر تأثر قليلا من حديث جهاد لن تنكر هذا في اعماقها:
-لو سمعت كلامك وكمال عرف شكلي قدامه هيكون ايه؟! أنا مبعرفش اكدب وأعمل حوارات، ابسط طريق هو الخط المستقيم ده اللي انا اعرفه.
-خلاص قوليله.
تمتمت داليا بتردد:
– حاسة اني هتكسف اقوله حاجة زي دي ومش هيبقى عندي الجراءة الكافية خصوصًا زي ما قولتلك من اول مرة قعد معايا هو قالي بصراحة غرضه من الجواز انه عايز يخلف فازاي اجي اقوله حاجة زي دي؟.
قالت جهاد ببساطة وبتلقائية:
-اعتقد من حقك تقولي حتى لو كنتي موافقة الأول ممكن تكوني غيرتي رايك عادي، ده جوزك ولازم تقوليله اللي أنتِ عايزاه وشايفاه، ولو اخدتيه من وراه مش هيحس بحاجة على فكرة أنتِ اللي مكبرة الموضوع يا داليا.
هتفت داليا رغم أن جزء بداخلها استطاعت جهاد التأثير عليه، فكانت نبرتها مشوشة رغم اقتناعها بها إلا أنها باتت في حيرة:
-أنا شايفة أنه أحسن حل اسيبها على الله وزي ما تيجي تيجي واللي ربنا كاتبه هيكون يا جهاد.
______________
تجلس أفنان في حديقة المنزل على الأريكة الخشبية، تبتسم تارة ويعبس وجهها تارة أخرى، تتذكر أوقاتها الحلوة حينما كانت تمارس هوايتها المفضلة وهي الاهتمام بالحديقة بنفسها، وتارة تتذكر أبشع لحظات لهة هنا..
غريب أن هذا المنزل أفضل ذكرياتها وأحلاها به، وأفجع ذكرى به أيضًا.
كانت تتناول كوب الشاي المتواجد في يدها، تراقب طفلها الذي أنسجم مع أبناء الخالة (شيماء) التي تعمل في منزلهم منذ سنوات، وأطفالها اعمارهم متقاربة إلى فهد، لذلك طلبت منها أفنان بأن تأني بهم اليوم ليتعرف عليهم فهد ولا يشعر بالضيق في هذا المنزل الواسع دون أصدقاء وكان الجميل في الأمر بأنه بالفعل تكيف معهم بسرعة رهيبة، أكبرهم كان طفل في العاشرة، أوسطهم يبلغ من العمر سبع سنوات، أصغرهم فتاة تبلغ من العمر أربع سنوات.
وها هم يلعبون بالكرة ويلعب معهم فهد بسعادة لم تتوقعها حتى، جاء جدها من الخلف وهو يراقب المشهد ليجلس بجانبها انتفضت أفنان فهي كانت شاردة تمامًا.
كاد الكوب أن يسقط منها لولا أنها تداركت الأمر بسرعة وخفة ووضعته على الطاولة، فهي تخشى جدها وشقيقها كمال في المرتبة الثانية وبالمرتبة الاولى يحتلها داغر باجتياح وقوة.
الوحيد الذي لم يشك بها، الذي عفى عن ذلتها واعتبرها مراهقة صغيرة وقعت في خطأ يقعن فيه أغلب الفتيات هو شريف، الذي وجد أن ما فعلته شقيقته لا يستحق أن يُفعل بها هذا، ولا يصح معاقبتها طوال العمر هي تم عقوبتها بالفعل.
أما كمال كان دومًا صامت لا تتذكر بأنه وقتها فعل شيء سوى نظراته الغاضبة، والجميع شك بها نعم لم يخبروها بصراحة ولكنها رأت ذلك في نظراتهم.
أما جدها كان يبحث عن حل ليس متفرغًا للعتاب أو اللوم أو الضرب والقتل…
تمتم توفيق بنبرة هادئة وخافتة:
-استنيتك تتكلمي معايا بس عدى يوم ورا التاني ورا التالت ومشوفتكيش.
أردفت أفنان بنبرة حزينة ومرتبكة:
-يمكن علشان معنديش كلام أقوله ويمكن متصدقنيش زي ما عملت زمان.
قالتها وهي تشعر بكلماتها ولكنها لا تدري من أين أتت بتلك الجراءة لقولها ولتخرج منها ليجيبها توفيق بجدية شديدة:
-لو مكنتش صدقت اللي حصل كنت قتلتك يا أفنان من غير حتى ما أفكر وكان أول واحد قتلك اللي عمل كده علشانك.
ارتجفت من داخلها رغم ثبات جسدها على المقعد كالجثة.
أسترسل توفيق حديثه بنبرة عادية:
-داغر من يوم ما رجعتم مش بيقابل حد بينزل اليوم كله يخرج وبيرجع بليل لما…
قالت أفنان بعفوية مقاطعة حديثه:
-بيرجع لما نكون نمت أنا وفهد.
هو ليس بأحمق كما حاول التظاهر أمام كمال، هو حاول أن يخفف من حدة انفعالات حفيده هو يدرك بأن ما قاله كمال هو الصحيح بأن فهد هو ابن حسن، ذلك الوغد الحقير، ولكنه ليس بوسعه تغيير ذلك يا ليته بالفعل كان ابن داغر…
تمتم توفيق بنبرة ذات معنى ولكنها منخفضة:
-طفشان يعني.
غمغنت أفنان بصدق فهي لا تلومه، وفي الواقع يعجبها ما يفعله فهو يتركها على راحتها طوال اليوم:
-ليه حق يطفش بعد اللي عملته أنا وشريف، بس مكنش في حل تاني واحنا غلطنا لما مقولناش ليكم بس أنتم أصلا كنتم في عالم تاني بسبب مرض ماما.
قاطعها توفيق رافعًا يده باستسلام ليمنعها من الحديث في الوقت نفسه:
-بلاش كلام اقفلي كل القديم بكل حاجة حصلت فيه وفكري في دلوقتي وبعدين.
أسترسل توفيق حديثه مفجرًا القنبلة متمتمًا:
-داغر أتجوز.
تحدثت أفنان بعدم فهم:
-مش فاهمة؟!.
-داغر أتجوز وهو مسافر هناك.
لا تدري في تلك اللحظة انتباتها مشاعر غريبة، غريبة جدًا..
انزعجت من جهة ولا تعلم السبب، ومن الجهة الأخرى كانت سعيدة لأجله رُبما وجد أمرأة تستحقه، أمرأة يُحبها بصدق؛ فهي حتى الآن ترى بأن جدها غير محق داغر لا يكن لها أي مشاعر هو كان بمثابة أخ ثالث فقط، لو كان غير ذلك لكان فعل أي شيء أثبت به ذلك منذ زمن بعيد.
عقبت أفنان بنبرة ظهرت منزعجة رغمًا عن أنفها، وبررت هذا الانزعاج بأنها أخر من يعلم لذلك شعرت بالغيظ كان يجب عليهم اخبارها، ولا تعلم ماذا ستفعل لو اخبروها ولكنها تحاول إيجاد مبرر لضيقها الغريب:
-كويس أنه لقى اللي تستحقه، وياريت يكون مبسوط معاها، معنى كده أنه كان نازل يطلقني، ويمكن تكون مراته عرفت وطلبت منه يسرع في الموضوع علشان كده نزل مرة واحدة.
قاطعها توفيق بنبرة أكثر وضوحًا:
-داغر اتجوز من كذا سنه، وطلق من كام شهر، ومحدش عارف أيه سبب الطلاق، بس هو طلق.
مرة أخرى مشاعر غريبة متناقضة بسماع الخبر جزء سعيد دون سبب واضح وجزء منزعج لأجله بالتأكيد هو يمر بحالة نفسية سيئة بسبب طلاقه وهي وشقيقها قاموا بإضافة هم فوف همه.
أردف توفيق بنبرة مستفسرة:
-أنتِ اتكلمتي مع داغر في أي حاجة؟!.
تحدثت أفنان بتوضيح الصورة امام جدها:
-لا هو جه اتخانق وبس وبعدها بلغنا أننا هنيجي هنا، ومن ساعة ما جينا مفيش كلام ما بينا بيمشي وأنا نايمة وبيجي لما أكون نايمة برضو زي ما أنتَ عارف.
أجابها توفيق بنبرة منفعلة قليلا:
-طب ما تصحي تستنيه، او اصحيله بدري.
سألته أفنان بنبرة اغضبته قليلا:
-أنتَ عايزني اتكلم معاه في ايه؟! في موضوع الطلاق؟!..
قال توفيق بنبرة جادة:
-أنا أخر واحد في الدنيا هكون عايزكم تطلقوا.
احتقن وجهها بانزعاج وانفعال بعض الشيء، نعم هي مخطئة، وشقيقها أخطأ ولكن ليس عليها الاستمرار في زيجة كهذه، هو لا يريدها ولا هي ترى نفسها زوجة له أو زوجة لأي شخص أخر هي محطمة إلى أقصى درجة ولم تتعافى بعد
تمتم توفيق بنبرة خبيثة مسترسلًا حديثه:
-أساسًا داغر لو كان له نية يطلقك كان طلقك من زمان، وده المفروض يخليكي تفكري بعقل شوية، وتحاولي تفهمي اللي معرفتيش تفهميه زمان، وتفهمي الراجل اللي معاكي أنه عايزك، لو هو مش عايزك استحالة كان يتجوزك من الأول لمجرد بس أنه ينقذك.
شعرت بالخجل من نبرة جدها فهو يعتاد الحديث في أي شيء وفي أي وقت مصيبًا من أمامه بالخجل في بعض الأحيان.
تحدثت أفنان بنبرة متوترة:
-يا جدي صدقني ده كلام في دماغ حضرتك وبس أنا مش في دماغ داغر، وبعدين أنتَ بنفسك لسه قايل أنه اتجوز يعني هو كان شايف حياته.
تجاهل توفيق ما قالته ثم غمغم:
-اتكلمي معاه، داغر لو خسرتيه مش هتعوضيه يا أفنان، يمكن هو الفرصة ليكي أنك تصلحي كل اللي فات، يمكن كل اللي حصل ده ليه حكمة.
تمتمت أفنان بنبرة ساخرة من وضعها وليس من حديثه:
-الحكمة اني البسه نفسي والبسه الواد؟!، ده اللي أنتَ عايزه؟! أنا مش هكون غير تعاسة لداغر وأنا شايفة أنه اكيد هيطلقني ومش مطول في قعدته واكيد هيسافر وهيطلقني قبلها أنا بتمنى له كل خير وأنا للأسف مش الخير لأي حد ولا هينفع أكون الخير لأي راجل، وكمان كفايا اللي أحنا عملناه فيه.
-هو مش عيل صغير ومفيش راجل بيبقى على واحدة إلا لو كان عايزها وتبقى غبية لو فاكرة أن داغر مش عايزك.
قال توفيق حديثه بعصبية وهو ينهض من مكانه مقررًا الرحيل، بات كبيرًا وفي نهاية عمره، ولا يتحمل غباء أحفاده في بعض الأحيان والازمات التي يمرون بها في تشعره بالعجز لأنه لا يستطيع مساعدتهم بها وأغلبهم رافض المساعدة، الحِمل ثقيل على رجل في عمره، لا يريد أن يرحل قبل أن يطمأن عليهم
بينما أفنان أخذت نفس طويل تراقب طفلها البعيد وتسأل نفسها، أين الحل؟!!…
ومتى حدث كل ذلك؟!!!
ولما؟!!!!!…
ألن يشعر قلبها يومًا براحة؟!
هل كُتب عليها الشقاء للأبد؟!…
كانت صرخة يجب أن تخرج منها تجعل جميع من يغطون في سبات عميق تصيبهم اليقظة، كان عليها ألا تخاف من الابتزاز، كان عليها ألا تخاف حينما دخل غرفتها، كان عليها أن تصرخ وتصارح الجميع ولو لمرة واحدة، لو كانت فعلت ذلك لرُبما لم تصل إلى هنا…
كان شريف مُحقًا خطئه كله كان خوفها..
خوفها من الاعتراف بذنبها الصغير في البداية..
حتى لو تلقت صفعة وقتها وتمت معاقبتها لم يكن ليحدث شيء.
______________
في منزل عبدة.
كانت تجلس سوسن على الفراش بعد أن أتت في الصباح مع عبده وشمس من المستشفى فجلست ليلتان هناك، مازالت متحفظة في حديثها مع شمس وتتجاهلها، لذلك لم تحاول شمس الاحتكاك بها صنعت لها حساء ودجاج مسلوق ثم هبطت إلى العمل من أجل أن تقضي وقتها بعيدًا عنها.
بينما يجلس عبدة بجانبها على الفراش متمتمًا بنبرة هادئة وهو يحاول أن يطعمها ولكنها ترفض الأمر والحزن طغى على ملامحها الجميلة والفاتنة رغم عمرها…
-ما خلاص بقا يا سوسو قولنا الزعل وحش علشانك، وأنتِ عماله تقهري في نفسك يا حبيبتي، ما في داهية أي حد، وبعدين شمس بتطلع طلعتها وترجع تنزل على مفيش كالعادة.
غمغمت سوسن بضيقٍ:
-شمس المرة دي مش بتطلع طلعتها وخلاص يا عبدة شمس بقالها شهور او اكتر بكتير وهي بتتغير واسئلتها كترت، ومبقتش عارفة أقول ايه، والواد اللي اسمه ثائر ده خرب دماغها.
هتف عبدة بنبرة متهكمة:
-الموضوع كان في ايدك يخلص من زمان وقولتلك أسجل البت باسمي ولا مين شاف ولا مين دري وكانت هي اتربت انها بنتي وخلصنا أنا عرفتك وأنتِ حامل فيها، أنتِ اللي مرضتيش.
نظرت له سوسن ثم قالت بنبرة تشبه نبرته:
-اه وساعتها قرايبك كانوا هيقولوا ايه لو عرفوا، وهما عارفين أنك مبتخلفش؟!.
-كنا هندبرها على الأقل أحسن من اللي احنا فيه دلوقتي بسبب تصميمك وعِندك ده وبصراحة بقا البت عندها ألف حق، واحدة داخلة على التلاتين معهاش ما يثبت هي مين، إلا شهادة ميلاد معفنة ضربناها علشان ندخلها المدرسة وأي امين شرطة هيعرف انها مضروبة.
نظرت له سوسن نظرات تائهة حديثه صحيح مئة في المئة، رُبما هي كانت حمقاء، كانت تظن بأن الأمور لن تصل إلى هنا، وأنه سوف يبحث عنها، سوف يندم على فعلته، سوف يخبرها بأسفه، نعم هي أخطأت في حقه ولكنها رد فعل للفعل نفسه، هو سرق أحلامها وهي سرقته أيضًا.
قرأ عبدة نظراتها فغمغمت سوسن بنبرة متعبة:
-خلاص ملهوش لازمة الكلام في القديم، دلوقتي المشكلة في دماغ شمس.
-هندبرها؛ ولو حكمت هنقولها الحقيقة بس نصها هنشيله وهنتصرف، ومتقلقيش أنا بس عايزك تفضلي مكشرة في وشها ومتتكلميش معاها وسبيني أنا أتكلم معاها.
غمغمت سوسن بعدم فهم:
-مش فاهمة هتتكلم معاها في ايه؟! وازاي يعني عايزني افضل مخصماها؟!.
-أنا هتكلم معاها لما تنامي هقولها تطلع من تحت وهقولها الحقيقة مع حاجات هنحتفظ بيها واضافة بسيطة وهقنعها ترجع الشغل كمان، أنا عارف أنا بعمل ايه، متدخليش أنتِ.
نظرت له سوسن بقلق طفيف ليس منه ولكن مما يود قوله؛ فهي لا تخشاه هي تحبه، هو الشخص الوحيد الذي قام بمساعدتها؛ هو من ترك لها بيته تجلس فيه إلى حين ولادتها، هي تأمنه ولا تأمن غيره..
“بعد مرور ساعة تقريبًا”
كانت شمس تجلس في الخارج مع زوج والدتها، فحينما صعدت بعد مكالمة أتت لها منه، علمت بأن والدتها قد خلدت إلى النوم وحينما سألته عن سبب رغبته في صعودها الآن مادامت والدتها نائمة ومازالت لا تريد رؤيتها فاخبرها بأنه يود الحديث معها ببساطة.
وها هي تجلس على الأريكة وهو يجلس على المقعد المتواجد أمام أريكتها مقررًا أن يبدأ هو الحديث:
-أنا حاولت معاها تصالحك بس فضلت تزعق وخوفت تتعب او ضغطها يعلى تاني، فقولت نسيبها براحتها، وأنتِ عارفة أمك يعني مفيش أطيب ولا أحن منها كلها كام يوم وهتصالحك.
غمغمت شمس باستنكار لكل شيء يحدث حولها:
-أنا مش فاهمة ليه كل ده؟! وليه تعمل في نفسها كل ده لمجرد اني عايزة اعرف ابويا مين، اعرف عيلته اعرف انا بنت مين، انا بطلب بأقل حق ليا اني احس اني بني ادمة.
أردف عبدة بنبرة هادئة:
-حقها يا بنتي أنتِ متعرفيش هي مرت بأيه وعملت أيه علشان تكوني أنتِ وهي كويسين.
تمتمت شمس برفض لتلك الطريقة:
-بلاش كلامك يبقى زي كلامها، كتر خيرها على اللي عملته ومش عايزة تقوله، مبتقولش غير أنها حاولت تسقطني كتير وكنت مصممة اجي على الدنيا الاسطوانة الحمضانة دي أنا طهقت منها، انا عايزة اعرف ابويا وعيلته مش عايزة اكتر من كده.
-حقك طبعًا مقدرش أغلطك بس كله بالعقل، ولا أنتِ عايزة أمك تقع في وسطنا تاني؟!.
أنهى حديثه منتظر رأيها الذي كان عبارة عن إيماءة من رأسها في رفض هي لا تتمنى أن ترى والدتها في تلك الحالة أبدًا مهما كان مقدار الشجار بينهما، مهما وصل الخلاف إلى ذروته، هي والدتها وعائلتها كل ما تمتلك…
أسترسل عبدة حديثه بدبلوماسية:
-أنا عايزك متزعليش على امك ولا تتكلمي معاها في الموضوع ده تاني.
-والله يعني أرضى بأني مليش نسب ولا اسم ولا عيلة، ولا اكون عارفة اي حاجة؟! ده في شرع مين؟!.
غمغم عبدة بلؤم وبنبرة أجاد صُنعها لتكون عاطفية كما يجب:
-أنا مقولتش كده يا حبيبتي أنا بقول بس علشان نحافظ على صحة امك، متتكلميش معاها في حاجة وبعدين أنا عارف كل حاجة تخص امك، وعارف كل حاجة عن عيلتك وأنا عايز اريحك.
نظرت له شمس في شكٍ متمتمة:
-واية فايدة أنك عارف ومش عايز تقول؟!.
-انا مكنتش ناوي اقول ليكي حاجة مش رخامة مني بس حفاظًا على رغبة الست اللي بحبها ومراتي أنا ساكت، بس برضو أنتِ زي بنتي ولو كنت خلفت بنت مكنتش هحبها قدك، فعلشان كده قررت أريحك برضو.
ضيقت شمس عيناها فهي لا تفهم حقًا ما الذي يرغب في فعله فهو لأول مرة يتحدث معها بتلك الطريقة أو يظهر رغبته في أن يخبرها بالحقيقة، لكن حماسها وتتوقها الشديد بالمعرفة جعلتها تتحدث بلهفة:
-طب ما تقول مستني ايه مش فاهمة؟!.
غمغم عبدة بجدية حقيقية:
-لازم يكون في تبادل منفعة.
-يعني ايه؟! ما تخلص أنا بزهق من الحوارات والالغاز وجو اللعب في الكلام ده ما تقول علطول عايز ايه وهتقول ولا لا هو أنا هقعد أشحت منك الكلام؟!.
أبتلع عبدة ريقه ثم تحدث في ثقة:
-أنا هقولك الحقيقة بس على شرط.
حاولت شمس أن تتمالك نفسها قدر المُستطاع وهي تسأله:
-شرط اية يا جوز امي؟!
غمغم عبدة ببساطة:
-أنك ترجعي الشغل تاني.
خرجت سبة من فم شمس وقبل أن تصيح في وجهه وتخرج جام غضبها به لكنه لحقها متمتمًا بنبرة هادئة للغاية ودبلوماسية إلى أعلى درجة:
-قبل ما تطولي لسانك امك تعبانة وهتحتاج رعاية وفلوس لعلاجها، وأنا بتكلم على أن نقضيها حفلات الفترة دي لغايت ما يجي سيزون الصيف ونختم بيه وساعتها لو مش عايزة تشتغلي تاني معنديش أي مشكلة بس نكون جبنا الشقة والعربية وعالجنا امك وخلصنا اللي ورانا وبعد كده ياستي اعتزلي واعملي اللي انتي عاوزاه.
-أنتَ بتستغلني؟!.
تمتم عبدة بتوضيح:
-مش بستغلك يا بنتي أنا بحاول أحل الوضع من جميع النواحي، بحاول إني اريحك واعالج امك…
قاطعته شمس ساخرة وهي تكز على أسنانها:
-على فكرة علاج امي ده المفروض عليك أنتَ اللي جوزها مش أنا اللي اصرف عليك وعليها.
كان عبدة يُدرك جيدًا حالة شمس المضطربة لذلك يحاول استغلالها، في النهاية هي ليست قديسة ولا تفعل كل تلك الأشياء إلا من أجل ذلك الرجل، فهي ليست صادقة في توبتها كما تحاول التظاهر….
وشيطانها بالتأكيد قوي أقوى من أفكارها التي تحثها على التوقف، فلما لا يلعب على تلك النقطة؟!، فبين العاصي والتائب هي شعرة يستطيع إحراقها في ثواني..
هتف عبدة بنبرة هادئة ولم ينزعج من كلماتها فهو كان يتوقعها على أية حال، وهو رائع في اختلاق الحجج والاكاذيب التي في أغلب الأحيان تبدو منطقية إلى أقصى درجة:
-أنا كل اللي حيلتي صرفته عليكي وعلى امك من زمان، وبعدها فتحت البيوتي سنتر علشانكم وواجبي اني واحد رباكِ وخلاكي في بيته أنك تساعديني، وقولتلك اني هقولك كل حاجة تخص ابوكي.
أردفت شمس بنبرة جامدة:
-وأنا أيه يضمني انك هتقولي بجد؟! وانك مش هتكدب عليا؟!!! وانك مش بتسكتني علشان ارجع الشغل؟!.
-أنا مش بكدب ولو مش عايز اقولك مش هعرض عليكي حاجة زي دي وفي مليون طريقة وطريقة تخليني ارجعك الشغل تاني غير اني اعرفك الحقيقة، وبعدين جربيني لو ياستي حسيتي اني مش صادق معاكِ بطلي تاني أنا مش بحكم عليكي يعني.
أبتلع ريقه ثم تحدث في نبرة ساخرة:
-أنا كلامي تحصيل حاصل ودايما بتعملي اللي في مزاجك، وعلشان اثبت حسن نيتي أبوكي عايش يا شمس.
جحظت عين شمس وهي تصيح بانفعال جنوني بعد أن أخذت دقيقتان تحاول استيعاب الصدمة:
-أنتَ بتقول ايه يعني ايه عايش؟!.
وضع عبدة يده على فمها بعد أن نهض من مكانه بحركة سريعة جدًا قائلا بضيقٍ:
-انا مش عايز امك تسمع حاجة ولا تعرف حاجة باللي بقوله ليكي، واه أبوكي عايش يا شمس مش ميت زي ما امك كانت بتقول ليكي، وياريت تكوني هادية وعاقلة وتستوعبي حجم اللي قولته واللي لسه هقوله بس لما ترجعي الشغل تاني من النهاردة.
______________
في المساء.
لا هي ستموت….
تلك الليالي التي يتواجد بها كمال في منزله مع داليا تؤلمها، تصيبها بالجنون، لا تدري كم حبة مسكن أصبحت تتناول أو المنوم الذي لا يفارقها، والخيالات التي ترافق عقلها تحاول الهروب منها ولكن كيف ستهرب هذا واقع وأمر مُسَلم به..
ها هي تناولت قرص المُسكن لعله ينهي الصداع الذي يفتك برأسها التي تعلن اعتراضًا عن كم الأفكار المميتة التي تتواجد بداخلها.
هل يستمتع معها؟!
هل تعجبه؟! هل ستفتنه ويقع في حبها؟!..
هل مذاقها قد نال استحسانه وروى عطشه؟!!..
كمال بات زوج لأخرى باختصار وهذا شيء يجعلها على وشك الجنون مع نفسها ولكنها أمام الجميع وأمامه هو نفسه تدعي عكس ذلك لولا تصرفاتها وكلماتها البسيطة التي تتمرد عليها وتظهر القليل من غيرتها الشرسة التي لو أطلقت لها العنان ستذهب وتهد المنزل عليه وعليها…….
ابتسمت رغمًا عنها بتلك الفكرة فهي جيدة نوعًا ما ونالت استحسانها….
لكن سرعان ما عبست مرة أخرى وهي تتذكر حديث دعاء عن الانجاب والأطفال والشعور الذي يرافق المرأة حينما تحمل جنينًا من الرجل التي تحبه، لينقلب كيانها ويشتد الصداع في رأسها وهي تحاول تقبل الفكرة بأن كمال قد يرزق بطفل من داليا وليس منها، تلك الفكرة أطاحت بمفعول المسكن أرضًا يبدو أن لن يعمل ولن يهدأ ما يتواجد بداخلها…..
شيء واحد أخرجها من أفكارها هو اتصال من إيمان…
إيمان البالغة من العمر خمسة وثلاثون عامًا كانت أصغر من شقيقها بعام تقريبًا، حبيبته كما تعلم فهو قام بتعريفها عليها بعد سنوات من إلحاح إيمان عليه بأن يخبر عائلته التي كانت عبارة عن شقيقته عنها، وكان ذلك قبل موته بعدة أشهر قليلة ووقتها كان يخبر فردوس بأنه سيتخذ خطوة جدية وسيذهب لخطبتها بعد حفل زفافها.
وتعمقت صداقتهما بعد موته فلم تتركها إيمان وحتى ولم لا تقابلها، الرسائل والمكالمات بينهما لم تنقطع إلا منذ عدة أسابيع أو رُبما من الوقت الذي أعلن فيه كمال بأنه سيتزوج وقتها تغير حالها كله وعاداتها…
ما أن أجابت عليها فردوس وفتحت المكالمة، تحدثت إيمان ساخرة:
“أخيرًا فكرتي تردي عليا يا فردوس؟! بقالك كتير مش بتردي عليا ولا بتعبريني حتى رسايلي مش بتشوفيها”.
تمتمت فردوس في اعتذار حقيقي:
-معلش يا إيمان الدنيا عندي متلغبطة جدًا..
بذكاء كانت إيمان تجيبها:
“طبعا علشان جواز كمال، معقول لسه بتحبيه يا فردوس بعد اللي عملوه في حسن؟!، بعد ما حسرونا عليه؟!!! لسه ازاي متحملة تقعدي في البيت عندهم دول ناس ملهاش أمان”.
دومًا كانت إيمان صرخة عقلها بين الحين والأخر حينما تثقل كفة العاطفة وقلبها العاشق تأتي إيمان برسالة أو مكالمة تذكرها بما لم تنساه وتزيد من حدة اللوم والعتاب…
تضغط على جرحها كلما تحاول أن تغلقه فتحدثت فردوس بعصبية:
-إيمان أنا على اخري ومش محتاجة تفكريني باخويا لاني مش بنساه أساسًا ومفيش حد واجعه غيابه أكتر مني لو سمحت متقعديش تبرري وتنظري على حياتي وتلوميني…
قاطعتها ايمان باعتذار محاولة أن تتلافى ما فعلته:
“أنا مش قصدي يا فردوس أنا بس خايفة عليكي من وجودك وسطهم وكمان أنا مش بفهمك ساعات ويمكن علشان مضايقة شوية ومتخانقة معاهم في البيت طريقتي وحشة شوية متزعليش مني علشان خاطري”.
تنهدت فردوس وأحذت نفس طويل ثم سألتها باهتمام:
-متخانقة معاهم ليه؟!.
حاءها صوت إيمان الحزين:
“ابن عمي اللي مطلق وعنده عيلين بس مع امهم متقدملي وأنا مش موافقة واهلي ضاغطين عليا علشان سني، وان دي فرصة مش هتجيلي تاني وهو موافق على شغلي وعلى كل طلباتي وبابا بيقول مننا وعلينا والكلام ده”.
كانت تتوقع تأييد فردوس لمشاعرها ولكنها للمرة الأولى تحدثت بكل جدية:
-طب ما تفكري وتحاولي، كل مرة بترفضي من غير سبب وبضيعي سنين عمرك، حبي واتجوزي واعملي بيت وخلفي ولو هو كويس ايه المشكلة متعلقيش نفسك بذكري حسن مش هيرجع.
صوت بداخلها صرخ…
صرخ على تلك النصائح الفريدة من نوعها والعقلانية إلى أقصى درجة، هي أحق بها…
هي أحق بأن تطبقها على نفسها لا أن تنصح بهما أحدهم.
هتفت إيمان بضيقٍ:
“اتغيرتي يا فردوس”.
ضحكت فردوس بألم ثم قالت:
-متغيرتش ياريتني اتغيرت، بس يمكن في شوية حاجات فهمتها ويمكن مش عايزة غيري يغلط غلطتي..
“سيبك من الكلام ده مش عايزين نقلبها أحزان، أنا عايزة اشوفك وحشاني”.
غمغمت فردوس بجدية:
-لو نزلت قريب هكلمك ونتقابل أنتِ كمان وحشتني اوي.
“تمام وأنا هستنى منك مكالمة أو رسالة اول ما تقولي المكان والوقت هجيلك علطول وحشتني القعدة معاكي”
-تمام يا إيمان هظبط الدنيا وهكلمك، سلام دلوقتي.
“سلام يا حبيبتي”.
أغلقت المكالمة والصداع يزداد…
اغضبتها ايمان، واشعلت الثورة المتواجدة بداخلها من جديد، فذهبت تبحث عن الأقراص المنومة الخاصة بها وفتحت شريط جديد وتناولت اثنين واحدة لن تكفي اليوم على الأغلب…..
_____________
نام فهد بعد يوم طويل ومُرهق ركض ولعب فيه كيفما يشاء..
كانت أفنان تغلق أزرار منامتها القطنية تفكر في حديثها مع جدها، رغمًا عن أنفها ظل الحديث يدور في عقلها طوال اليوم تقريبًا حتى تخطت الساعة الثانية بعد منتصف الليل وهى مازالت مستيقظة على غير العادة…
كانت تصفف خصلاتها الطويلة بعناية ترى هيئته وهو على كتفيها يصل حتى فخذيها أثناء جلوسها على المقعد في هيئة انثوية جميلة ورائعة كجمالها الذي لم يستطع الشحوب القضاء عليه، تتأمل نفسها كالعادة قبل أن تقرر لم تلك الخصلات عاقدة أياها بأي شكل قد يخفي حلاوتها وطولها، وبعدها قامت بوضع إيشارب صغير وربطته للخلف فقد يظهر العقدة التي عقدتها في الخلف وأولى مقدمة رأسها التي تبدأ منها خصلاتها..
تتأمل حقيبتان السفر، موضوعتان في مكانهما على الأغلب يأخذ منهما ما يحتاجه ثم يعاود إغلاقهم
فبعد رحيل جدها وتركت طفلها يلعب في أمان صعدت إلى الغرفة برفقة الخالة شيماء تقوم بتفريغ الحقائب ووضعها في الخزانة ولكنها لم تجرؤ على فعل ذلك مع حقائب سفره لا تدري لما لم ترغب في اقتحام خصوصيته أو ظنت انه رُبما قد ينزعج حاولت أن تتجنب أي شيء قد يزعجه……
نهضت وكانت على وشك الذهاب إلى الفراش بجانب صغيرها ولكنها لمحته يدخل إلى الغرفة بوجه وملامح غير مفهومة ولا تستطيع ترجمتها مما جعلها تتسمر مكانها.
وهو شعر بالاستغراب فما الذي جعلها مستيقظة حتى الآن؟!!..
فهو تعمد التأخير اليوم أكثر من أي يوم مضى، يقوم بلقاء كل من يعرفهم يحاول أن يشغل يومه قدر المُستطاع.
تمتمت أفنان بتوتر، فهي لم تجد نفسها إلا وهي تقول:
-عامل ايه يا داغر؟!.
نظر لها بدهشة..
ما هذا السؤال؟!!.
اجاب عليها داغر بنبرة ساخرة:
-بخير في أحسن حال ممكن الواحد يكون فيه، أيه اللي ميخلنيش في اقصى مراحل سعادتي؟! يعني مع مراتي وابني وفي بيت العيلة.
تمتمت أفنان بضيقٍ تحاول تجميع أي شيء:
-احنا محتاجين نتكلم.
قاطعها داغر بنبرة واضحة رافضة لأي حديث وهو يخلع سترته ويتوجه صوب مكان الحقيبة:
-وأنا مش عايز أتكلم ولما اعوز اتكلم هاجي اتكلم، فياريت تتفضلي تنامي.
قالت وهي تكز على أسنانها بضيقٍ ولا تدري لما تحاول جذب أطراف الحديث معه:
-أنا مفضتش الشنط بتاعتك ممكن افضيها بكرا يعني محبتش أن…
قاطعها داغر مرة أخرى محاولا الحفاظ على ثباته الانفعالي قبل أن يستيقظ جميع من في المنزل على صوته هو يكبح نفسه بصعوبة أساسًا فلا تضغط عليه:
-متشكرين لخدمات حضرتك، أنا بعرف أعمل كل حاجة لنفسي ولما اعوز افضيهم هفضيهم.
كان هناك العديد من الأسئلة تود سؤالها، حتى كانت تود شكره ولكنه لا يعطيها المجال لأي شيء كالعادة، مما جعلها تتركه ووتوجه صوب الفراش متدثرة جنب طفلها وهي تدعو بأن ينتهي عذابها عما قريب وأن يرغب هذا الرجل في إنهاء كل شيء….
أما ستنهيه هي وليحدث ما يحدث.
ما يجعلها تصمت الآن هو وجود صغيرها معهما في الغرفة.
____________
في الصباح.
يجلس في المقهى ممسكًا بخرطوم الارجيلة ويقوم الصبي الذي يعمل في القهوة في ضبطها له كما يحب ويضع الفحم وكل ما تحتاجه كان يراقب الجميع من موقعه جميع الشباب ممسكة بالهاتف بتركيز غير طبيعي وحتى من لا ينظر به يقوم بوضع الهاتف أمام صديقه وكأنه يريده أن ينتبه لشيئًا ما وهناك موسيقي عشوائية يسمعها في الارجاء تصعد من هواتفهم، ليس من العادة بأن يجد الجميع منهمك إلى تلك الدرجة في الهاتف تحديدًا على مقهى بلدي، عوضًا عن شرب الشاي والمشروبات المعروفة أو التدخين أو حتى ممارسة اللعب المعروفة…
سأل ثائر (شريف) الصبي الذي يقوم بوضع الفحم:
-هو في ماتش النهاردة ولا في ايه؟! كله مبحلق في التليفون كده ليه؟!.
أجابه الصبي بعفوية:
-لا مفيش ماتش النهاردة بس هتلاقيهم بيتفرجوا على…..
قاطع حديث الصبي نداء الرجل الذي يعمل معه في القهوة فاستأذن هاتفًا:
-معلش يا ثائر باشا هروح وراجعلك تاني هي الشيشة كده تمام لما تعوز تغير الفحم او حاجة ناديني.
هز ثائر رأسه بعدم اكتراث رغم أن الأجواء مُريبة حوله، لمح هلال يأتي من بعيد بعد أن أصطف بسيارته في الشارع المجاور، فهو كان يعيش هنا في منزله السابق قبل أن يقرر والده بأن ينتقل إلى مكان أفضل وأقيم، طفولته وصباه و شبابه حتى كان هنا….
جاء وسحب مقعد خشبي وجلس عليه قائلا:
-ايه عملت ايه في التليفون؟!.
غمغم ثائر بنبرة عادية:
-متلقح في البيت جاب شاشة وقع مني على السلم بليل، واديني شغال على الموبايل الصغير ابو زراير ده، ممكن على بليل اروح اشتري واحد وخلاص.
هز هلال رأسه بتفهم فهو منذ أن عرف شريف وهو يعرف جيدًا عدم اهتمامه الشديد بالهواتف، جميع الهواتف عنده تؤدي نفس الغرض وهي المكالمات وحتى علاقته بالسوشيال ميديا ضعيفة جدًا هو ليس مهووس بها حتى أنه مهما قام بشراء هاتف حديث وأحدث نوع لا يعطي له أهمية حقيقية فهو لا يحب التصوير ولا أي شيء قد يستطيع الهووس به، منذ أن عرفه في الجامعة وهو علم بأنه رجل تقليدي بشكل بحت يرفض التطور أو التغيير في بعض الأحيان..
قام هلال بطلب القهوة له من أحمد الذي يعمل هنا فهو مهما جلس في أماكن فخمة او تناول القهوة من الكثير من الأيادي لا أحد يستطيع صنع القهوة جميلة كالعم أحمد.
وبعد أن جاءت القهوة أخذ يتناولها وهو يراقب صديقه الصامت فيبدو أن أحاديث عقله تغني عن أي حديث أخر، منذ ذهاب شقيقته وفهد وهو يشعر بأن العالم من حوله ضباب، عائلته الصغيرة الذي حاول تعويض نفسه بها ليست معه، وكأنه شعر بالوحدة المميتة والتفكير قد يجعله يصل إلى حد الجنون حقًا…
وكانت أفكار هلال صحيحة ولكن بعقل ثائر أيضًا شمس التي لا يستطيع إخراجها من حياته أو قلبه على الأقل، فهي تشكل لغزًا، ولأنه يشعر أنه على وشك الانفجار كلما يتذكر بأنها راقصة هناك من يرى جسدها ويستمتع به ويتخيل الكثير من التخيلات الماجنة التي تجعله على وشك ارتكاب جناية قتل جديدة…
حقًا هل هو يحتاج في حياته بأن يقع في حب أمرأة مثلها؟! هل هذا ما كان ينقصه؟!.
على الطاولة الخلفية كان يجلس ثلاثة شباب مع بعضهم أثنان منهم ينظرا على نفس الهاتف فيديو لراقصة انتشر ليلا بسرعة رهيبة وكانت تبدة فاتنة مغوية، مغرية تجعلك تشتهيها بمجرد رؤيتك للفيديو قال أحدهم:
-ايه الجمدان ده يا اخي، ده الواحد هيطلع نار من جواه لمجرد أنه شايف الفيديو اومال اللي كانوا قاعدين في الفرح استحملوا ازاي، والعريس ده قدر يروح مع عروسته بعد المنظر ده؟!.
ضحك الشاب الآخر متمتمًا:
-المصور الله يباركله مختار الزوايا التمام، الفيديو ده محتاج شاشة ٦٠ بوصة كده او ١٠٠ بوصة يدوبك علشان الواحد يتفرج ويتمتع، أنا شوفت راقصات كتير لكن بالحلاوة دي مشوفتش.
قال الشاب الذي يجلس قبالتهم متمتمًا:
-وأنا جاي من الجامعة كان الميكروباص كله تقريبًا بيتفرج على الفيديو حتى البنات.
تحدث أحدهم ساخرًا:
-ومين ميتفرجش على الصاورخ ده؟!
عودة مرة أخرى إلى حيث يجلس هلال وثائر..
تمتم ثائر بضيق لا يعلم سببه الحقيقي رُبما لأن الأسباب كثيرة:
-الشيشة نيلة ومش مظبوطة.
-أنتَ اللي مش مظبوط ومش طايق نفسك متجيبهاش في اللي حواليك، ما تيجي نروح اسكندرية، نأكل أكلة سمك ونرجع.
كانت هواية هلال المفضلة في أي وقت هو الذهاب إلى الإسكندرية مع صديقه المفضل أو بمفرده لا يتواجد شخص أخر قد يذهب معه.
غمغم ثائر بسخرية:
-يعني اروح اسكندرية علشان أكل اكلة سمك؟! أنتَ مش هتبطل الفراغ ده يا هلال؟! أمك عندها حق اتجوز علشان تلاقي واحدة تشكمك.
أردف هلال بنبرة متهكمة:
-هو أنا مصاحب واحد عندة ستين سنة؟! ما تتحرك يا ابني اسكندرية دي زيها زي التجمع ده التجمع ابعد يا شيخ، يلا علشان نمشي وريح نفسك أنا هفضل طول عمري كده قاعد على قلبكم.
-ليه العروسة معجبتكش؟!.
-لا كويسة، هقولك في الطريق يلا علشان نمشي.
ليس لدى شريف فرصة او أي شيء أخر سوى أن يقبل بالأمر الواقع، ويستسلم إلى رغبات هلال الجنونية في بعض الأحيان فأحيانًا يظن بأنه مصاب بالشيزوفرينيا فهو أحيانًا يكون منضبط إلى أقصى حد وأحيانًا أخرى عكس ذلك تمامًا…
______________
في منزل شمس..
أستيقظت من نومها بعد العصر بكسل رهيب يتملكها وإرهاق فتلك السهرة كانت قوية عليها تحديدًا بعد انقطاع دام لمدة طويلة….
نهضت وكانت على وشك الذهاب إلى المرحاض، وما ان فتحت باب غرفتها لتجد عبدة كان على وشك أن يطرقه مما جعلها تشهق بفزع:
-في ايه خضتني؟!.
غمغم عبدة بدون مقدمات وبنبرة متوترة:
-أنا كنت داخل اقولك امبارح في واحد صورك في الفرح والفيديو انتشر في كل حتة في ظرف ساعات قليلة؛ أنا التليفون بتاعي مبطلش رن من الصبح كل عايزك في حفلات وافراح…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ديجور الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *