روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السابع عشر 17 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السابع عشر 17 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت السابع عشر

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء السابع عشر

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة السابعة عشر

~… سمراء بعيون كحيلة..~
في الفنـــدق …..
كانت ليلى تشاكس ابنتها وهي تضفّر لها شعرها وهما جالستان على الفراش….. قالت الصغيرة بابتسامة وهي تنظر للأمام بثبات :
_ ماما ….. بابا وجيه بيحبني …. صح ؟
وضعت ليلى شريط ستان أحمر أعلى الضفيرة وقالت وهي تقّبل رأس صغيرتها وتجيب بحنان :
_ آه بيحبك ….بيحبك أوي كمان ….
عادت الصغيرة تقول بتساؤل وكأنها تحتار بالأمر :
_ طب وبيحبك أنتِ كمان ؟
صدمت ليلى من سؤال صغيرتها الغير متوقع ….ازدردت ريقها بالكاد ولم تجد إجابة مناسبة لقولها …… فصمتت ببعض التشتت …
لم تمهلها الصغيرة وقتٍ إضافي للتفكير….تابعت والحيرة تطوف ملامحها الرقيقة :
_ هو بيحبنا إحنا الاتنين …..طب مش بنفضل معاه ليه ؟!
ضج رأس ليلى بالتفكير والذكريات والمرارة تمر كالطيف بعينيها ….. قالت بألم وعينيها تائهة للبعيد :
_ مش كل اللي بنحبهم ينفع يفضلوا جنبنا ومعانا…… هي دي الحياة …
لم تفهم الصغيرة كلمات أمها …. استمعت للكلمات التي كأنها كبيرة على عمر عقلها الصغير ذو الأربع سنوات وعدة أشهر بسيطة ….
ربتت ليلى على ابنتها بحنان ونظرت فيها بمحبة فائقة وقالت لها بابتسامة حنونة :
_ عارفة يا ريمو ….أنتِ أذكى مني لما كنت في عمرك …..أنا فاكرة لما كنت ست سنين مكنتش بعرف اتكلم مع أي حد ولا حتى ماما ….كنت دايمًا ساكته …. مش عايزاكِ تبطلي كلام معايا …قولي كل اللي أنتِ عايزاه يا روحي …
استدارت الصغيرة ريميه وتحسست يديها يد أمها حتى وصلت لصدرها وارتمت فيه مبتسمة ببراءة قائلة :
_ بكلم ربنا عنك …وعن بابا وجيه …. ربنا بيحبني أوي …..
ضمتها ليلى بتنهيدة وشفتيها تبتسمان …وقالت برقة :
_ ومين ما يحبش ريمو ؟ …..كلنا بنحبك يا عمري …..وربنا بيحبك اكتر مننا كلنا …..لما تتمني أي شيء كلمي ربنا على طول…هو سامعك في أي وقت …..
وضعت ريميه يديها على فمها بوضع الدعاء وقالت ببراءة :
_ يارب يارب خلي بابا وجيه يفضل معانا على طول ….
كانت ليلى سرا تستبشر بدعاء طفلتها …فقالت لها بشيء من الرجاء والتمعت عينيها بالدموع وهي تسكن وجه الصغيرة بين يديها :
_ أفضلي ادعي الدعوة دي على طول …. أنا بطمن وبفرح لما بتدعيها …..
هزت الصغيرة رأسها بإشارة موافقة ….وابتسمت بحماس وقالت :
_ هشوفه بكرة ….قالي هيجبلي لعب كتير أوي أوي …..
ربتت ليلى على رأس ريميه وقالت بابتسامة :
_ لازم تشكريه …. يعني تقوليله ….. متشكرة أوي يا بابا وجيه ….اوعي تنسي ….
أومأت الصغيرة رأسها بالموافقة …..
صدح صوت الهاتف الخاص بالغرفة فنهضت ليلى من على الفراش وتوجهت للهاتف …..اجابت بتوتر وقد ظنت أنه وجيه وربما عرف مكان الفندق أيضا من خلال الهاتف :

 

_ الو ؟
كانت جيهان تجري هذا الاتصال من مكتبها فور وصولها المشفى ….قالت بنبرة أقرب للعصبية :
_ أنا جيهان يا ليلى …..
أضافت بحدة بعد دقيقة:
_ أقدر أعتبر مكالمتك لوجيه خيانة للوعد اللي بينا ؟ ….يمكن كمان قولتيله على أتفاقنا !! …..
قاطعتها ليلى بحسم :
_ وجيه ما يعرفش اي حاجة عن أتفاقنا …..وبعدين موضوع المكالمة حصل وأنا في الانترفيو أصلًا !! ….مكنتش موجودة …..
ابتسمت جيهان بسخرية واستهزاء وقالت :
_ المفروض أني غبية وهصدق !! ……يعني البنت كانت لوحدها وهي اللي اتصلت!! …… ولمعلوماتك أنا حليتلك موضوع بنتك وعملت المستحيل عشان أونكل عاصم يوافق تشتغلي وتجبيها معاكِ الشغل ….. بعد ده كله بتلعبي عليا !!
قالت ليلى وقد كرهت نبرة الغضب بصوت محدثتها :
_ أنا قابلت سكرتيرة مستر عاصم واتكلمنا وفهمتني الشغل….لأنه مجاش الشغل النهاردة واتأخرت على بنتي بسببه …. سيبت بنتي مع واحدة صاحبتي واتفاجئت لما رجعت أنها بتكلم وجيه …. هي متعلقة بيه وهو اتعلق بيها …أنا مش هقدر ابعدها عنه حتى لو أنا بعدت …..صدقيني أنا مكنتش عايزة رابط بيني وبين وجيه بالذات دلوقتي….لكن هو ده اللي حصل …..
هتفت جيهان بكراهية واضحة بصوتها :
_ وبنتك عرفت رقمه الشخصي منين ؟! ولا صاحبتك معاها رقم جوزي الخاص منين !! ….أنتِ بتكذبي على مين ؟!
اضطرت ليلى أن تخبرها بالأمر فقالت بما أخبرتها به الصغيرة عقب انتهاء اتصال وجيه :
_ هو ادالها رقمه عشان تكلمه ….وطلب يشوفها من غير ما اكون معاها عشان تطمني …… بس أنا هروح لوالدي بكرة معاها عشان اطمن على ابويا …. صدقيني والله أنا بريئة من ظنونك ….
قالت جيهان وقد فلت رباط الجأش منها وكان بصوتها رنة تهديد :
_ واضح نيتك والاعيبك …وعموما أنا مش مسمحاك على اللي ناوية عليه ….. أنا في إيدي ادمرك أو البسك أي مصيبة بشوية فلوس ميجوش حتى حق فستان ليا…بس أنا مش زيك معنديش ضمير …..أنا هسيبك ومش هكلمك تاني…. وحتى مش هسحب كلامي مع اونكل عاصم لشغلك …… بس من قلبي بدعي عليكِ ….منك لله ….
اتضح بصوت جيهان الدموع والبكاء ….تجمدت ليلى بحزن من تلك الدعوة القاسية ….التي شقت قلبها الباكي …..قالت برجاء وعينيها قد رحبت بالدموع :
_ أرجوكِ ما تدعيش عليا أنا اتظلمت واتوجعت أكتر مما تتخيلي وعارفة أحساس ومرارة الظلم عاملة أزاي….. أنا مخدتش وجيه منك ….
ابتعدت بخطوات عن صغيرتها التي بدأت تغفو وأضافت وعينيها تسقط منها الدموع :
_ أنا كنت أعرفه من عشر سنين…لو نصيبنا نكمل كان زمان ريميه دي بنته وكان زمنا مع بعض وعايشين اسعد أتنين …..ما تلومنيش وتلوميه على شيء حصل قبل ما يشوفك أصلًا ….. شيء لا أنا ولا هو عارفين ننساه غصب عن كل ظروفنا …..أنا والله العظيم ما لعبت ولا كدبت عليكِ …..اللي حكيتهولك هو اللي حصل…..
لم يؤثر كلام ليلى بغضب جيهان رغم أنها تمنت لو تصدق أنها لم تكذب ….فقالت بقوة :
_ يبقى تسمعي اللي هقولك عليه ….لو عايزاني أصدقك….. أنا ببقى عارفة المواعيد اللي بيكون فيها وجيه برا المستشفى …لو عايزة تشوفي والدك يبقى تستني مني اتصال قبل ما تيجي المستشفى ….وزي ما قولتلك ده هيكون مؤقتا على ما يتنقل لمستشفى تانية وتشوفيه براحتك …..
صمتت ليلى حتى مسحت عينيها من الدموع وقالت :
_ موافقة …. ياريت تقوليلي أجي أمتى عشان اشوف بابا ….ريميه هخلي صاحبتي توديها المستشفى بكرة عشان تشوف

 

 

وجيه …. اتفقنا على كده ….
صرّت جيهان على أسنانها بغيظ شديد ولكنها لم تريد إطالة واظهار غضبها أكثر من ذلك …فقالت :
_ تمام …لو على البنت …سهلة ….
انتهى الإتصال بعد ذلك ……
وضعت ليلى سماعة الهاتف في حركة بطيئة وهي تبتلع مرارة ريقها …… لابد أن تعترف أنها على رغم هروبها منه …وخوفها عليه من الاقتراب …..مع كل شيء يدفعها للهروب منه …..أنها تريد رؤيته فقط ولو من بعيد ….
تريد أن تطمئن أنه هنا ….أنه يحب مثلما تحب ….يشتاق مثلما تشتاق …. وأنها بقلبه نابضة ……
ومع هذا ……هناك مرارة مع كل شعور يميل إليه….يفرح لرؤيته وبنظراته المتلهفة …..مرارة آتية من الضمير….ماذا تخبئ لها الأيام أكثر من هذا يا ترى ؟

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
كان هذا أول يوم عمل بشكل جدي بالنسبة لفريق القافلة ….انغمس الأطباء بمختلف اقسامها كلًا في عمله …..
وبالمسـاء …..
أرهفت حميدة السمع خلف الشباك الخشبي القديم بنافذة غرفتهم ….لم تستمع لأي حركة بمساحة الأشجار الملتفة حول المنزل والمندرة ……جلست على الأريكة وقالت :
_ شكلهم لسه ماجوش من الوحدة…..وحتى خالي العمدة ما رجعش لسه من مشواره !! …..
بس تصدقي يا سمكة ….أنا زي ما يكون شوفت الشباب دول قبل كده !! ….ملامحهم مش غريبة عليا !!
تهربت نظرة سما وتظاهرت بالسعال لمدة دقيقة وهي ممددة على فراشها وقد تحسنت حالتها بعض الشيء……خبأت أنها شعرت بنفس الشعور أيضا…..فتدخلت رضوى قائلة وهي تنهض من على الأرض بعدما تكحلت من المكحلة التقليدية :
_ وأنا والله حسيت بكده ….
رغبت بأن تفرك عينيها من حرقتها بسبب الكحل فقالت لها حميدة بتعجب :
_ في حد يحط كحل بليل ؟! ….أحنا داخلين على العشا !!
قالت رضوى بابتسامة وعينيها حمراء من الدموع بسبب تأثير الكحل الأسود :
_ هو أنا يعني بحطه كل يوم ؟! ….أهو كل فين وفين …بتسلى ….. ده بيبقى طالع على عيني وبيخليها ولا عين الغزال يابت يا حميدة…..
وأضافت ببعض العبوس بملامحها :
_ عينيا بتحرقني أوي …هروح أغسل وشي من الحنفية اللي برا …بتبقى ميتها تلج وهتريح عيني من الحرقان ده…
خرجت رضوى من المنزل الريفي لتجد الصبي نعناعه يهم بنقل زرع “البرسيم” من العربة الكارو إلى الحظيرة المرفقة بالمنزل وتهتف به جميلة كي لا يترك أثار الزرع على الأرض بحالة فوضى ويلزمهم بالتنظيف بهذا المساء الشتائي ……
قالت جميلة بغيظ :
_ حمار وشايل برسيم !! ….خليت داخلة الدار زي وشك !
رد عليها نعناعه وهو يقف أمام باب الحظيرة :
_ يعني أسيب سكرة جعانة ؟! ….. ده انا سامع صوتها من أول الطريق بتناديني ….. اكنسي شوية الأش ده بعرجون النخل واخلصي يا رغاية ….!!
اغتاظت منه جميلة وتمتمت بغيظ :
_ غبي ..
اقتربت رضوى للصنبور الذي يقرب موضعه من جميلة وفتحته لينزلق منه الماء بانهمار …..صاحت جميلة بعصبية :
_ الداخلة استنيلت وبقت زي الزفت ….ماية وبرسيم وأش ونضفي يا جميلة ؟!…ماهي جميلة الخدامة بتاعتكم !
قالت رضوى باعتذار :
_ معلش بس المية هنا ساقعة وعيني بتحرقني ….. هنضف معاكِ بعد ما أغسل وشي ….
خرج الصبي ومعه جردل من البلاستيك واقترب من الصنبور حتى يملأه ….صرخ برضوى حتى تبتعد وقال :
_ سكرة عطشانة يا حمارة …..حبكت تغسلي وشك هنا !! ….وبعدين أنتِ مهببة وشك كده ليا ؟! …… جرب ده ؟!
لكمته رضوى على ذراعه ونظرت بعينيها الدامعة له بغيظ وقالت :
_ أنت تاكل وتشرب وتكلم جاموستك وبس …ما تكلمش بن آدمين خالص ! ….ده هباب يا متعوس ! ….ده كحل !!
وضع الصبي الجردل أسفل الصنبور واطلق ضحكة عالية ليغيظها :
_ كحل !!! …… قال يعني البت بقت اليسا وناقصها تتكحل !! ….. الله يكون في عونه اللي هتبقي من حظه …… أمه داعية عليه في ليلة القدر بعد ما اتسحرت….
ضحكت جميلة رغم غيظها منه فهتفت رضوى بانفعال به :
_ بكرة تشوف يا معفن …..ده يا بخته اللي هنبقى من بخته …..اللي هتجوزه ده هتضربله تعظيم سلام …هيكون بيموت فيا

 

 

كده ….
وقالت وهي تميل برقبتها في ثقة وزهو :
_ والله ما هيعرف يبص لغيري …..
قال نعناعه بسخرية :
_ ما هو اللي يبصلك اكيد معندوش نظر !! …..
تابعت جميلة التنظيف وهي تضحك على مشاكستهم التي اعتادت عليها …..فقالت رضوى بثقة كبيرة :
_ هيكون أفندي ملو هدومه ….. طول بعرض كده …. عليه العين ….
شردت وهي تقول كلماتها الأخيرة بينما حي الصبي الشباب وخاصةً رعد الذي أقترب منهم ووقف خلف رضوى مبتسما بمكر بما يسمعه ……
نظرت رضوى للصبي ورأت اتجاه نظرته فاستدارت لتقع عينيها على عينيه الخبيثة المبتسمة …..تلعثمت بالكلمات :
_ اااا…..ها ….آه ….
قال الصبي معتذرا عنها :
_ معلش …شاربة سحلب ….
اتسعت ابتسامة رعد عليها ولم يغفل عن عينيها البندقية الكحيلة ….مع سمرة بشرتها ….كان جمالها بنظره فاتن رغم بساطته !
بينما وقف جاسر على بعدًا منهم ولم يدخل ما آسر ويوسف المنزل…..نظر لجميلة التي تهربت من نظرته وبدا عليها الحياء وهي تنظف المكان …..فقال ضاحكا ضحكة مكتومة ودندن :
_ والله يا زمن ….لا بإيدينا زرعنا الشوك ولا روينا يا زمن ….. بقولك بقولك ….في شوية تراب هناك اهم ….قولي هوف كده هيطيروا … يا شرسة
أشار لها بعيدًا ….استقامت جميلة ونظرت له بعصبية بينما ظهرت ضحكة على وجهه ….. فأضاف ليغيظها :
_ النظافة من الإيمان يا أنسة جميلة ….. لأ يا أستاذ جميلة ….
وبلاش البصة دي عشان بشتغل طول النهار وقلبي مرهق …..
التزمت الصمت حتى لا تقيم مشاجرة بينهم …دفعت عرجون النخيل من يدها ودلفت للداخل …..رمقها جاسر بابتسامة خبيثة ثم دلف للمندرة….
قال رعد للصبي مع احمرار وجه رضوى بشدة :
_ وحشتني أوي يا نعناعة….
ابتسم نعناعة وقال :
_ وأنت كمان يا دكتور …..اتوحشتك من بعد المغربية …. من ساعتين كده ….
تابع رعد حديثه الماكر :
_ لسه صوتك في وداني والله …..
ابتسمت رضوى بحياء وتهربت من عينيه بينما ضم الصبي رعد بقوة وقال بود :
_ أخويا وصاحبي …. من دلوقت ….الساعة كام ؟
ابتعد رعد عن الصبي قليلا ونظر لساعته وتابع بخبث ونظرته عليها :
_ الساعة ٨ ونص ….. مضبوطة أوي الساعة …..يمكن عشان شغالة على نبض القلب…. دقة دقة
نظر الصبي له فاغر فاه …ثم قال بعدم فهم :
_ طب لو الحجارة خلصت ؟!
كتمت رضوى ضحكتها وركضت للداخل …. اتسعت ابتسامة رعد إثر بسمتها وحمرة حيائها هكذا …وقال بمرح للصبي :
_ هجيبلك ساعة زيها هدية ….بس في حد يزعق لبنت كده ؟! …..خليك چنتل مان …..
ردد الصبي بعدم فهم الكلمة وقال :
_ چركن مان ؟! ….. يعني ايه الكلمة دهين يا دكتور ؟!
ضحك رعد على قوله فأوضح :

 

 

_ چنتل مان ….يعني ذوق وتتعامل بشياكة بالذات مع البنات ….
تساءل نعناعه :
_ وهما فين البنات يا دكتور ؟!
نظر رعد له وكتم نوبة من الضحك فتابع حديثه بثبات :
_ اللي كانوا موجودين من شوية ….أخواتك ….
فسر الصبي قائلًا :
_ دول بنات ؟! …..دي الواحدة فيهم بعشر رجالة أنت متعرفهمش …..وهما بنات عمتي مش أخواتي بس بصراحة بحبهم وبعتبرهم أخواتي ….أنا مش بزعق لهم أنا بهزر معاهم والله …..
احنا متعودين على كده …..
كانت معلومة جديدة لم يعرفها رعد …لم تؤثر كثيرًا عليه ولم يتعجب ففي النهاية هذا ليس من شأنه ……
ودع الصبي ودلف للمندرة ……
دخلت جميلة على رضوى بالمطبخ …..نظرت لها بمكر وقالت هامسة :
_ ما تفهميني بقى …..هو أنتِ بتتلبشي كده ليه لما بتشوفي اخينا ده بالذات !! …..مالك يابت مش على بعضك كده؟!
خرجت رضوى من شرودها وعادت لتقليب الطعام بالقدر المعدني الذي يأز على نيران الموقد ……اجابت بتلعثم وحرج :
_ مالي يعني ؟! ….بتحرج لما بشوف حد غريب …عادي يعني !
رفعت جميلة حاجبيها بعدم اهتمام ثم قالت رضوى بمكر لها :
_ قوليلي أنتِ بقى …..أنت بتتنرفزي كده ليه لما بتشوف الدكتور اللي اسمه جاسر ده ؟! …… في ايه بقى ؟!
ضحكت جميلة وهي تأخذ أطباق من المطبقية الاستانلس وترتبهم على صينية فضية :
_ كل ما أفتكر الهدوم اللي رميتها في وشه وتهزيقي له أضحك واتغاظ في نفس الوقت ….. بجح وعينه تندب فيها رصاصة !
قالت رضوى بتعجب :
_ أنتِ شايفة الرجالة كلهم عينهم تندب فيها رصاصة !! …..مش عارفة هتتجوزي أزاي !
نظرت لها جميلة بثقة وقالت :
_ لأ مش كلهم …بدليل أبوكي ….وكمان خالك العمدة ….رجالة بصحيح وبيصونوا حريمهم ….. مافيش أحسن أن الواحدة تتجوز واحد تأمنله وتطمن على روحها معاه …..
ياختي هو أحنا ناقصين وجع قلب !
ردت رضوى بهزة من رأسها :
_ والله ما ناقصين …… ربنا ما يوجع قلوبنا في يوم يارب …..
قالت جميلة وتابعت ترتيب العشاء للضيوف :
_ يارب ……ويلا همي عشان نحضرلهم العشا ونبعته مع الواد نعناعه ….هما ضيوفنا برضو ولازم نكرمهم …..
انهمكت رضوى في تحضير الطعام وانضمت لهما حميدة بعد قليل…..

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
فرد يوسف ساقيه على الأريكة وقال بإرهاق :
_ تعبنا النهاردة يا شباب …… بصراحة ما تخيلتش أن قرية صغيرة زي دي فيها كم الناس المريضة دي !! …..بصراحة القافلة جت في وقتها جدًا …..
قال جاسر وهو ينظر لنفسه بالمرآة ويرى هندامه :
_ الناس هنا طيبين أوي …..كل واحد بيفكر في عياله ناقصهم إيه قبل ما يفكر في نفسه …..شوفت النهاردة آسر بيعاتب مريض قاله عنده قرحة ودوالي مريء …..الراجل قاله أنه وفر فلوس شغله كلها لتعليم عياله في المدارس ….نسي نفسه عشانهم …..
قال آسر بنظرة فيها شيء من الشرود لمكان ما :
_ كنت بعاتبه ….بس لما قالي كده حسيت أني عايز أقوله كتر خيرك …. أنا أسف وربنا يقويك…..
قال بوسف باقتراح :
_ لازم يكون في كل قرية قافلة واتنين عشان الناس دي …. الناس هنا تستحق الدعم جدًا …… نفسي نفكر في حاجة نقدر نساعدهم بيها يا شباب …..غير القافلة ……يعني مثلًا نبني مركز طبي حتى لو صغير ونبعت صحابنا الدكاترة بمواعيد شهرية …..الأرض هنا مش غالية ونقدر ننفذ الفكرة أحنا الأربعة لو اشتركنا …..
وافق جاسر قائلًا :
_ معنديش مانع ….بس موافق اشترك معاكم بالفلوس أنما أجي هنا فمش هقدر ….
قال رعد متحمسا لفكرة يوسف :
_ فكرة حلوة جدًا يا يوسف …..وهتفيد القرى اللي حوالين البلد دي كمان ….. بس الأحسن يكون مركز كبير عشان يبقى مشروع مفيد صح من البداية …..هتكلم مع عمي وجيه واقترح عليه الأمر ويمكن يشترك معانا …..
استأذن الصبي نعناعة للدخول وهو يحمل طعام العشاء …استقبله يوسف بترحاب شديد وقال له :
_ أبن حلال …..كنت جعان جدًا ….
وضع الصبي صينية الطعام الأرض وسحب الغطاء من على الاطباق ……نظر يوسف بابتسامة واسعة وقال :
_ الله ….بط ….ومحشي مشكل كمان !….. يا جمالك …
اعتاد الشباب على مزاح يزسف اتجاه الطعام فتجمعوا حول الصينية جالسين بطريقة لم يعتادوا عليها ……بينما هناك سؤال يقف بحلق آسر وظل مترددا في طرحه حتى قرر أن يلفظه من فكره وينساه ….كي لا يثير الشكوك حول سؤاله عن تلك الفتاة ! ….
التي لم يغفل عنها خاطره طوال اليوم …..!

 

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وعند صباح اليوم التالي …..
اشرقت الأرض بنور ربها ……وبين مساء شتائي وصباح شمسه شاحبة مغمضة العينان قليلًا ……
استيقظت ليلى باكرًا واستعدت لأول يوم عمل واعدت صغيرتها للمقابلة مع وجيه …..والتي اتفقت مع صديقتها إيمان أن توصل الصغيرة له باكرًا حتى يكن هناك متسع من الوقت خلال النهار وتعود للفندق باكرا حتى تعود هي أيضا بالساعة الخامسة مساءً……..
أتت إيمان لغرفتها ووجدت ليلى تعقص شعر الصغير كذيل فرس كما تحبه صغيرتها …..قالت إيمان وهي تشاكس الطفلة :
_ ياخواتي على العسل ….بنتك دي سكر يا ليلى …..
ابتسمت الصغيرة للمدح فقبلت ليلى صغيرتها بشوق وهمست لها :
_ هتوحشيني موت موت يا روحي على ما ارجع …..طنط ايمان هتاخدك المستشفى وتقعدي هناك براحتك لحد ما اخلص شغل وارجع ……
تفاجئت الصغيرة بعدم ذهاب أمها معها مثلما قالت بالأمس فتساءلت بتعجب :
_ مش هتيجي معايا ؟!
نفت ليلى وقالت بشبه اعتذار :
_ معلش مش المرادي….عندي شغل مش هينفع أجي معاكِ ……ما تتعبيش طنط إيمان بقى عشان ما ازعلش منك …..
هزت الصغيرة رأسها بالموافقة …..قالت ليلى لصديقتها بشكر :
_ أنا اسفة يا إيمان أني هتعبك معايا ….بجد مش عارفة اشكرك أزاي ؟
قالت إيمان بابتسامة واسعة :
_ أنا عايزة اتعب ….. وبعدين يا ليلى أنتِ عارفة أنك غالية عندي ولا يمكن أرفضلك طلب حتى لو هاخد البنت كل يوم للمستشفى وارجعها …… أهو بدل قاعدة البيت والفراغ اللي انا فيه …..
جوزي يا ستي مش موافق على الشغل …حتى أبني هو اللي بيجيبه من المدرسة وهو جاي ! …..
وشغل البيت بخلصه بسرعة وبفضى بعدها ….زهقت والله من الملل ده …..
قالت ليلى وهي تنهض من مقعدها وترتب حجابها سريعا أمام المرآة :
_ طالما مش محتاجة للشغل يبقى مافيش داعي للبهدلة يا إيمان ….. قعدتك في بيتك مع انسان بتحبيه وأبنك في حضنك صدقيني بالدنيا……جربي تشتغلي أسبوع وأنتِ هتعرفي أنك في نعمة ……
قالت إيمان بتفهم :
_ محدش بيعجبه حاله يا ليلى غير لما الحال ده بيتغير….ساعتها بنقول ياريت اللي جرى ما كان ! ……ربنا يخليلنا كل حبايبنا

 

…..
قالت ليلى بدعاء صادق من قلبها:
_ اللهم آمين …..
حملت ليلى حقيبتها وقبلت صغيرتها بمحبة قائلة :
_ بكرة بأذن الله هاخدك معايا الشغل يا حبيبتي ……
حملت ايمان الصغيرة التي كانت ترتدي فستان جديد من الدانتيل الأصفر وشريط ستان لشعرها من نفس اللون ……وقالت :
_ طب هنمشي مع بعض بقى وكل واحدة تنزل في مكانها ….التاكسي مستنينا ….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
بالمشفى ……
أتى وجيه مبكرًا للعمل هذا اليوم …أبكر من موعده بساعة تقريبًا !!
دخل لمكتبه مباشرةً وعينيه بها بريق خاص يلتمع بشدة …..كأنه ينتظر خبر سار يأتي إليه في الطريق !
ظهرت جيهان أمام باب مكتبه …تقف ساكنة وناظرة إليه في غموض ……مضت اليه في خطوات محسوبة ثم وقفت أمامه مباشرةً وقالت بنظرة حادة رغم هدوء صوتها :
_ معرفتش اتكلم معاك امبارح خالص ! …..فجأة كنت مش عايز تروح الشغل ! ……
لفت يديها حولها وتابعت بشيء من السخرية :
_وبعدها بدقايق يجيلك اتصال يفتح نفسك على الشغل ويخليك تيجي هنا وتسهر لحد الساعة واحدة بليل ! …..يعني زيادة عن مواعيدك !
وتوصل البيت ما تفكرش حتى تكلمني ….!
تنام كام ساعة وتصحى بدري برضو عن مواعيدك وتيجي هنا !
في إيه بيحصل معاك يا وجيه ؟!
تنفس وجيه بعمق ونظر إليها بثبات ثم قال :
_ أنا مش بحب حد يسألني وكأني عامل عاملة كده يا جيهان !
لو سألتي طقم التمريض هتعرفي أني كنت هنا بشتغل ….. ولو سألتي السواق هتعرفي بروح فين ….
قالت چيهان بمرارة :
_ أنا مش هنزل كرامتي بالشكل ده يا وجيه ….أنا عارفة أنك مش كداب وأنك كنت هنا ومش بتروح أي مكان غير الشغل …..أنا بتكلم في اللي بيغيرك في لحظة بالشكل ده !
اللي بيطفي عينيك وبينورها في نفس اللحظة !
في اللي مخلي ببيني وبينك حاجز مش عارفة أكسره رغم كل محاولاتي !
اقتربت منه ووضعت رأسها على صدره وهمست بصوت يئن الم :
_ اللي بتدور عليه هتلاقي اكتر منه معايا ….. حاول تدور عليه فيا …. أنا بحبك …. بحبك ومحتجالك ….أرجوك صوني …!
جف ريقه من رجائها …شعر أنه ظالم …وأنه كالجاني وهي الضحية ….كان قراره متسرع في الموافقة على اقتراحها بالزواج والعودة إليه ….ولكنها هي ليلى …..ليلته السبب في غضبه وقتذاك …..هي من جعلته گ المغيب يوافق على أي شيء….
حاوط جسدها بذراعيه كشيء يجبر خاطرها ويرطب على قلبها وهمس :
_ أنا بضايق وبحس بالذنب لما بشوفك كده يا چيهان …. أوعي تفتكري أني بقصد أضايقك !! …..ولا عمري فكرت حتى ….أنتِ تستحقي كل خير ……
كان الباب مفتوح ….دخلت إيمان مكتبه وهي تحمل الصغيرة عندما تفاجئت أنه أتى مبكرًا هكذا …..وهي من ظنت أنها ستنتظر حتى يأتي …!
شعرت بالحرج عندما وجدتهما هكذا وخرجت من المكتب بحركة سريعة ….تساءلت الصغيرة بعبوس :

 

 

_ مش هنا ؟
لم تعرف بماذا تجيب ايمان …كادت أن ترد حتى تفاجئت بجيهان وهي تخرج من المكتب وترمق الصغيرة بنظرة قاسية وكره غريب ! …… ولم تتطلع فيها سوى بنظرة سريعة وغادرت المكان …
أسرع وجيه خارج مكتبه ليبحث عن المجهولة التي أتت بالصغيرة …..وجدها خارج مكتبه فقال ببعض التعجب :
_ هي ليلى فين ؟؟!
ابتسمت الصغيرة عندما انتبهت لصوته فأجابت ايمان :
_ هي قالتلي اجيبلك البنت تشوفها ….
فهم وجيه من اختصارها بالإجابة أن ليلى لم تريد المجيء ….زفر بعصبية وما أخرجه من هذا الضيق الذي يطبق على أنفاسه سوى الصغيرة وابتسامتها …..قال بمحبة لها :
_ شكلك قمر النهاردة …..
أشار لإيمان ان تدخل مكتبه فدخلت مع الصغيرة المبتسمة بمرح من مدح بطل الحكايات ……وضعت إيمان الطفلة على مقعد أمام مكتبه وقالت :
_ هروح اعمل اتصال وراجعة …..بعد أذنك ….
هربت إيمان من نزيف الاسئلة بعينيه وتركت الصغيرة بمأمن معه ……أخذ وجيه يد الصغيرة وربت عليها بحنان وقال بمحبة :
_ جبتلك هدايا كتير هتعجبك ……بس في هدية عارف أنها هتعجبك أكتر ……
استقام وجيه ومضى ناحية قفص من البلاستيك قد أحضر بالأمس فور علمه بموعد اليوم مع الصغيرة الحبيبة ……أخرج من القفص قطة بيضاء صغيرة كانت نائمة ….بعمر شهور …… وتوجه بها الى الصغيرة ريميه قائلًا بابتسامة :
_ جبتلك قطة …..اكيد بتحبي القطط ولا أنا غلطان ؟
تغيرت ملامح الصغيرة ريميه للعبوس الأقرب للبكاء …..مدت يدها بإشارة أن يعطي لها الهرة فأعطاها لها وتعجب من أمارات الضيق على محياها !!
ضمت ريميه القطة بقوة ثم ولصدمته سقطت الدموع من عين الصغيرة وهي تضم القطة بقوة ولهفة كأنها كانت تنتظرها …!
قال وجيه بحنان :
_ بتعيطي ليه يا حبيبتي ؟!
اجهشت ريميه بالبكاء وقالت بصوت متقطع وهي تحتضن الهرة بكل قوتها :
_ بابا صالح رمى بسبوسة من الشباك وماتت…..مش شوفتها تاني ….
ردد وجيه الاسم بحيرة:
_ بسبوسة؟!
قالت ريميه بدموع :
_ القطة بتاعتي …..

يتبع….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *