روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السبعون 70 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السبعون 70 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت السبعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء السبعون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة السبعون

~… خطيبتي فرحة!! …~
نظرة كالضمة، كالعناق الطويل … ككلمة أحبك لأول مرة ..!
كانت عيناه بهما بريق اشتياق لأيام آتية ومحملة بسعادة يحلم بها كل ليلة … كل ليلة تزوره بأحلامه بأجمل ابتسامةّ لها .. ويضمها اليه، فقد اصبحت ملكه في دنيا الأحلام قبلا … أما الواقع والحقيقة هي الآن تقف أمامه، بفستانها الوردي الرقيق … لا يستطيع حتى لمس أناملها لمصافحة سريعة !
فهي تضع أسوارًا عالية حولها لمنع الاقتراب … وقلبه يدق بلهفة ليأخذها اليه .. ولكن بما يرضيها ويرضي رب العالمين …
خرج من شروده وبقيت ابتسامته الصادقة … حتى غمز له شقيقه فادي وقال بابتسامة خبيثة:
_ هنفضل واقفين كده ولا إيه ..؟!
بينما تخضب وجه فرحة بالحمرة الوردية، التي قاربت للون ردائها الوردي، فاصبحت جزءً منه كالوردة المحاطة بأوراقها!
وجلس زايد بجانب مقعد السائق، بينما أصرً فادي على قيادة السيارة مثلما أتى بها … وتركه زايد نظرا لإصابة قدمه فلن يستطيع التعامل مع السيارة بالشكل الآمن تمامًا … وجلست فرحة وشقيقها بالمقعد الخلفي للسيارة .. وانطلقت السيارة تسير بسرعة ليست قليلة … خاصةً أن فادي يُشهد له بمهارة عالية في قيادة السيارات على أعلى سرعة ..
وانفصلت فرحة عن الواقع لبعض الوقت، حيث شردت بابتسامة ارتسمت على شفتيها بحياء … وحاولت أن لا تظهر ما يملأ قلبها الآن من مشاعر متدفقة.
*******
بهذا اليوم الذي هو يوم عطلة للجميع وبالمساء أيضاً كانت فرصة سانحة لأن تنفذ ديمة خطتها … خاصةً وأنها استطاعت رشوة بعض رجال الأمن الذي ساعدوها أيضاً بقطع تيار الطاقة حتى تتوقف كاميرات المراقبة عن التشغيل لبعض الوقت، وسيظهر أنه انقطاع للكهرباء طبيعيًا لا يُثير الشكوك ..
تسللت ديمة لمكتب زايد ومعها كشاف قوي الاضاءة .. ثم أخذت نسخة المفاتيح التي بصعوبة حتى استطاعت الوصول لها … ربما اصعب من الوصول لمكان الخزينة الخاصة بزايد شخصيًا … توجهت للخزينة سريعاً وضغطت بواسطة قفاز بيدها على عدة أرقام مكونة الرقم السري للخزينة قبل الفتح …. والتي أخبرتها به نوران بعدما استطاعت هي الأخرى الوصول له بصعوبة ومشقة عن طريق زوجها “والد زايد” …
وعندما فتحت ديمة الخزينة وجدت فيها عدد من الملفات ورزم من النقود المصفوفة جانبًا …. فبدأت تطلع بالأوراق وتبحث عن المقصود، ولم تظن أن الأمر سيحتاج لكل هذا البحث !
حتى وجدت ملف محكم الغلق وشعرت أنه هو، ففتحته وما هي دقيقة الا وكانت تبتسم لنفسها بانتصار وهي ترفع عدة أوراق تلخص كافة التفاصيل عن المشروع الكبير .. نظرت للأوراق وقالت وهي تتنفس الصعداء:
_ هو ده …
لملمت الأوراق وبعدها طوتها بداخل حقيبتها ورتبت الملفات الأخرى بالخزينة مثلما كانت، ثم أغلقتها سريعا وخرجت من المكتب راكضة …

 

 

*******
وبشرفة غرفة فندق مشهور جلست جيهان على أحد المقاعد بإرياحية، ثم رفعت كوب العصير الطازج لشفتيها لترتشف منه القليل وقالت وهي تنظر لوجيه الجالس قبالتها شاردًا بعض الشيء :
_ لو هتفضل سرحان كده كتير يبقى الأفضل نلغي الليلة دي وترجع لليلى يا وجيه!، اكيد مش هحب انك تفضل معايا غصب عنك ..!
أجاب عليها بهدوء:
_ أنا مش بتغصب على حاجة يا جيهان، خصوصا أني حجزت هنا من نفسي ومن غير ما تعرفي ! … مش بحب اشوف نظرات الاتهام واللوم اللي دايمًا في عنيكي !
ابتسمت جيهان وعينيها اصبحت فجأة بعيدة عنه كأنها تفكر في شيء لا تريد الافصاح عنه …. ثم نظرت له وقالت :
_ عايزة اكلمك في موضوع سمر … كلمتها كتير الأيام اللي فاتت.
قال وجيه متقبلا تغيير الحديث الروتيني بينهما:
_ وأنتي حسيتي بإيه ؟
وضعت جيهان كوب العصير على المنضدة الفاصلة بينهما وأجابت :
_ حسيت أنها موافقة بس خايفة …. الست بعد أول تجربة جواز بتفشل فيها بتعتبر الرجل ده كائن معندوش قلب ولا رحمة … كائن غريب وغامض ومش مفهوم، عشان تطلع من التوهة دي محتاجة تتحب بجد … محتاجة انسان يبقى مجنون بيها ويخطفها لحياته بمعنى اصح … لأنه لو استنى رأيها هيستنى كتير … أول تجربة لو فشلت عشان ننسى مرارتها لازم التجربة التانية تكون ناجحة بدرجة نجاح اكتر من اللي اتمنيناه في التجربة الأولى …. بس انتوا الرجالة مش بتعيشوا الحرب النفسية اللي بتعيشها أي ست لو اتطلقت !
سأل وجيه باهتمام وقال:
_ بمعنى …؟!
ردّت جيهان وهي تنظر بعينيه في دقة مقصودة وكأنها تقصد هو بالحديث :
_ يعني أنت لما طلقتني زمان مكنتش خايف من كلام الناس ولا الظنون والطمع اللي هتتعرضله ! … مالكش صاحب هيقطع علاقته بيك لما يعرف أنك انفصلت ! …. محدش من المجتمع هيقولك اكيد قصرت معاها واكيد العيب فيك ! …. أنما أنا نص صحابي مدخلونيش بيوتهم بعد ما اطلقت … والباقي نساني اصلا ! … سمعت معايرة وشوفت نظرات الشفقة والعتاب واللوم من غير حتى ما يعرفوا مين اللي غلطان والسبب الحقيقي للطلاق!
كل الحاجات دي خلال السنين اللي فاتت بعد الطلاق كونت جيهان جديدة بقت خايفة من كل حاجة…. ومش حابة أبدًا سمر تتعرض للي اتعرضتله !
اوضح وجيه رأيه فيما يخصها شخصيًا وقال:
_ معاكي أن الست بعد الطلاق بتعاني أكتر من الرجل بسبب المجتمع، بس يا جيهان أنا بكره فكرة أن الست تخلي كل اهتمامها في الحياة رجل وجواز! … مافيش حد مش بيدور على الحب وبيتمناه … بس مع كل املنا ده الحياة لازم تستمر وتمشي، نحاول نحقق كل اللي نقدر نحققه بنفسنا ولنفسنا أولًا… يعني أنتي اللي اخترتي صحابك غلط .. وبالتالي عند أول أزمة باعوكي !
دخلتي بعد الطلاق في تجارب خطوبة واخترتي ناس غلط .. فطمعوا فيكي ودي نتيجة طبيعية جدًا !
تقدري تقوليلي حقفتي ايه لنفسك في السنين اللي فاتت ونجحتي في ايه؟! ….
صمتت جيهان وهي تنظر له بنظرات يملؤها الضيق .. فأجابت:
_ هو ده اللي كان لازم أفهمه من ١٠ سنين فاتت، خدت وقت كبير أوي على ما استوعبت وفهمت الدنيا أو بالأصح بدأت أفهمها!! …
شعر أنه المها بحديثه فنهض وسحبها من معصمها لتقف ثم قال بابتسامة معتذرة:
_ مكنتش أقصد أزعلك … أنا أسف !
هزت جيهان رأسها بابتسامة مجاملة وقاات:
_ ما تعتذرش .. أنت صح، أنت طبقت الكلام ده على نفسك قبل ما تقوله، ساعات كتير في السنين اللي فاتت كنت بستغرب كل الوقت اللي بتقضيه في الشغل والعمليات والسفر من غير فترات راحة الا قليل جدًا …. دلوقتي بس عرفت أنك كنت بتهرب من حزنك على فراقها ومش بتدي نفسك وقت تفتكرها!
قال وجيه بثبات لغير دفة الحديث :
_ خلينا في سمر دلوقتي ..
هزت جيهان رأسها وقالت باعتراض وعينيه تطلع بعينيه بعمق:
_ سمر مش محتاجة حد، أمجد هيعرف يخرجها من اللي هي فيه في وقت قليل … لأنه بيحبها بجد … كل اللي محتاجاه شوية وقت قبل ما تقابله تاني … أنما أنا …
قابلها وجيه بكلماته الهادئة وقال بلطف:
_ أنتي إيه يا جيهان ؟! … أنا جانبك !
ترقرقت عينيها بالدموع وقالت :
_ أنت جانبي فعلاً …. بس روحك وقلبك فين دلوقتي ؟!
زفر وجيه بعصبية وقال:
_ كان ممكن الليلة تبقى أجمل من كده بكتير لو مارجعتيش للنغمة القديمة دي! …. النكد مش بيحل مشاكل على فكرة !
مسحت جيهان عينيها وقالت وقد استطاعت أن تسيطر ولو قليلًا:
_ مكنتش عايزة انكد عليك والله… بالعكس!
أنا مش عايزاك تفتكرني غير بالخير …
نظر لها وجيه بغرابة وشعر أنها تقصد شيء تضمره بنفسها … فابتسمت لتجذب انتباهه لانتهاء الحديث وقالت بمرح :
_ هو العشا أتأخر كده ليه ؟!
رد عليها بنظرة عميقة وأجاب:
_ متأخرش كتير، بالكتير عشر دقائق وتلاقيه جاهز
جلست جيهان مجددًا وتظاهرت بالاستمتاع وهي تشرب المتبقي من العصير الطازج وجلس قبالتها وجيه مفكرًا بعمق فيما قالته مؤخرا ….
*********
بداخل قاعة ضخمة بفيلا شاسعة الأطراف أقيم حفل الزفاف ..
وبين حشد غفير من المدعويين أتى الحاج محمود إلى زايد الذي يقف مع شابان وفتاة وصافحه بحرارة قائلا:
_ نورتني والله، كنت قلقان منك وافتكرت انك مش هتحضر خصوصا أني بسمع عنك أنك مابتحضرش مناسبات لأي حد !
ابتسم زايد بمجاملة وهو يتمسك بعكازه بيد وباليد الأخرى يصافح الرجل:
_ أنت مش أي حد يا حاج محمود … الف مبروك.
وتلقى الرجل مباركته بود وامتنان شديد ثم توجه لفرحة قائلا:
_ فرحتي بوجوده نفس فرحتي بوجودك يابنتي … عقبالك يارب .
شكرته فرحة ثم انصرف الرجل ليستقبل مدعويين جدد ، فنظر زايد لفرحة بابتسامة وشرد بها فقال فادي ضاحكا بخبث:
_ زايد كأنه بقى واحد تاني الأيام دي ! … بيبتسم وبيحضر مناسبات ولا كأنه بقى هيثم أخويا فجأة ..
زفر زايد بمقت لذكر هذا المخلوق وقال لفادي:
_ أفتكرلنا حاجة احسن من كده!
وطريقته جعلت فادي يقهقه من الضحك … وتعجبت فرحة من رد فعله عن ذكر شقيقهما الذي لأول مرة تعرف بوجوده من الاساس ! …. فنظر زايد لفرحة وقال قصدا بابتسامة متلاعبة:
_ خلينا في الحاجات الجميلة اللي حوالينا ونفرح شوية !!
أشتد احمرار وجنتي فرحة بقوة من الحياء وابعدت عينيها عنه تمامًا ….
وعلى بُعد مسافة ليست قليلة همس هيثم لأحدهم بشيء جعل الآخر يسير مبتعدًا بتنفيذ الأمر …. ونظر لفرحة بتفحص ودقة … فقالت الفتاة المرافقة له بسخرية:
_ إيه عجباك للدرجادي ؟!
نظر هيثم لها وهو رافعا حاجببه باستهزاء وقال:
_ لسه عارفك امبارح وبتحاسبيني؟! ….
صححت الفتاة لهجتها وقالت وهي تقترب منه بنظراتها اللاعوب:
_ ماقصدش .. بس بسألك يعني ! …
تجاهلها هيثم وعاد لمراقبة زايد الذي تأكد من نظراته لفرحه أنه متيم بها لأقصى درجة … ريثما أن زايد لأول مرة يظهر عليه هذه الدرجة من الاهتمام ناحية أنثى !
*********
أتى نادل واقترب من زايد هامسا:
_ في حد طالب حضرتك على التليفون !
ضيق زايد عينيه بدهشة !، فالمتصل بالتأكيد يعرفه ويعرف رقم هاتفه الخاص فلمَ استخدم الهاتف الخاص بقاعة الحفل !
الأمر يبدو غريب ومريب ولكنه سأل النادل وقال:
_ فين التليفون ؟!
أشار النادل لجهة الهاتف، فاستأذن زايد لبعض الوقت وابتعد ….
وهنا ابتسم هيثم من بعيد وقال للفتاة بجانبه شيء جعلها تتحرك ايضا اتجاه فرحة ….
وتحرك هيثم قليلا نحو شقيقه حتى لوح له فادي بدهشة وقال ضاحكا :
_ ياريتني افتكرت مليون جنيه، جبنا سيرة هيثم لقيته هنا !
توجه هيثم اليهم وتعمد عدم النظر الى فرحة وتجاهلها تمامًا كأنها ليست معهم …. ورحب به فادي كثيرًا وبدأ يعرفه على فرحة وشقيقها حسام …. حتى وقف هيثم ناظرا لفرحة بصمت مزيف وقال :
_ مش معقول !!
نظر اليه كلا من حسام وفادي باستغراب بينما فرحة ضيقت عينيها عليه بريبة، ثم قالت عندما وجدته يصوب نظره لها بهذا الشكل :
_ هو ايه اللي مش معقول ؟!
هز رأسه وكأنه اخطأ في تشبيهه وقال لنظرة عميقة لها :
_ لا ابدًا … يمكن مجرد شبه !
قال حسام بصوت حاد :
_ هو في ايه ؟! … شبه ايه اللي تقصده ؟!
نظر هيثم بابتسامة مهذبة لحسام وقال :
_ في اليوم اللي سافرت فيه وقبل ما اركب الطيارة شوفت بنت في الطريق شبه الآنسة دي بالضبط … أنا أسف مجرد شبه بسيط ….
تجاهلته فرحة تمامًا حتى صدمت بمن تصطدم بكتفها الايسر وتسكب عليها كوب العصير، فشهقت الفتاة الأخرى وقالت معتذرة :
_ اوووه أسفة جدًا جدًا ، أنا كنت مستعجلة وبدور على حد واتخبطت فيكي من غير قصد أنا أسفة جدًا ….
نظرت فرحة لذراعها التي نالته بقع من العصير المسكوب وقالت بمحاولة أن لا تغضب:
_ حصل خير …
اصرت الفتاة وقالت :
_ تعالي معايا التواليت ننضفه ونرجع …
نظرت فرحة للبقع وشعرت بالخجل أن تبقى هكذا فأستأذنت من شقيقها وذهبت مع الفتاة نحو الحمام ….
وبعد عدة دقائق خرجا الفتاتان مبتسمين وقالت الفتاة الأخرى باعتذار تكرر كثيرا وهما يقفان بمكان آخر:
_ بجد متأسفة جدًا جدًا بس الحمد لله اتحلت … يارب مشكلتي كمان تتحل …
لم تتدخل فرحة فيما لا يعنيها ، بينما كانت عينيها تبحث عن شقيقها الذي أختفى ومعه فادي والغريب الثالث ايضا أختفوا تمامًا ! …..فنظرت لها الفتاة بمكر وقالت :
_ أنا السكرتيرة الجديدة لمستر هيثم ممدوح … معرفش شكله لأنه لسه راجع من السفر … ولازم اديله شيء ضروري والمفروض أمشي دلوقتي لأن ورايا معاد مهم جدًا …
نظرت لها فرحة وشكت بأمرا ما وقالت:
_ هو هيثم ممدوح ده له أخوات ؟
هزت الفتاة رأسها بتأكيد وقالت :
_ طبعاااا … ده أخوه يبقى زايد ممدوح من أشطر رجال الأعمال وشركته تبقى (…)

 

 

قالت فرحة بعفوية وبراءة:
_ ده كان واقف لما خبطتيني !
شهقت الفتاة وكأنها ليست على دراية بالأمر وقالت وهي تخرج شيء من حقيبتها وتدسه بيد فرحة :
_ طب ارجوكي اديله الامانة دي انا لازم أمشي دلوقتي حالًا …
دهشت فرحة منها وشعرت بالتعجب من اعطاها شيء هام لأحد لا تعرفه ! … ولكن الفتاة تقريبًا ابتعدت راكضة دون ان تنتظر رد فرحة عليها …. فنظرت فرحة للفافة بيدها وهي لا تعرف ما بها ونفخت بعصبية….
وحينما قررت البحث عن زايد لتعطيه هذا الشيء ويصله لشقيقه ذو النظرات المريبة وجدت هيثم يقف أمامها فجأة كأنه خطط لذلك ! …. ثم قال مبتسما :
_ بدور على فادي وحسام ومش لاقيهم، شوفتك واقفة فافتكرت أنهم معاكي !
تنفست فرحة ببعض الراحة وقالت وهي تمد يدها باللفافة الورقية :
_ سكرتيرتك سابتلك دي …. هي لما عرفت أنك اللي كنت واقف لما خبطتني حطت في ايدي الحاجة دي وجريت !!
نظر هيثم لما بيدها بابتسامة خبيثة، ثم تحولت نظرته جانبًا بحثا عن زايد الذي من المفترض تخلص من المكالمة المجهولة ! .
فوجده على بُعد أمتارا قليلة يلتفت يمينًا ويسرة حتى انتبه لهما وتسمر مكانه… فنظر هيثم مرةً أخرى لفرحة وأخذ منها اللفافة وهو يتعمد النظر حوله وكأنه لا يريد لأحدًا أن يراهما ..
ثم قال مبتسما بنظرات تبدو وكأنها يهمس لها بسر:
_ تعرفي أني أول ما شوفتك مابقتش مصدق نفسي ! …. وانا في طريقي للمطار كنتي انتي في الشارع والاشارة وقفت وفضلت مراقبك لحد ما بعدتي …. عايز أقولك أني نزلت من العربية وحاولت الاقيكي بس للأسف أختفيتي ! … معرفش عملت كده ليه بس اللي متأكد منه أني مكنتش هسافر وقتها …!
ضيقت فرحة عينيها من الدهشة وقالت :
_ أنا ؟!
هز هيثم رأسه بتأكيد ونظرة وكأنه عاشق :
_ ايوة أنتي … معرفتش أنسى ملامحك وحفظتها لحد دلوقتي … أنا متأكد أن اللي شوفتها أنتي …
شعرت فرحة بالحرج من طريقته في محادثتها، فغير هيثم دفة الحديث وقال:
_ عرفت أنك سكرتيرة زايد أخويا، وبصراحة أول مرة أشوفه مبسوط كده النهاردة … أتمنى تكوني في يوم السبب اللي يصالحنا على بعض … زايد واخد زاوية بعيدة عن الكل للأسف …
ازدردت فرحة ريقها بتوتر وقالت:
_ السبب أزاي يعني ؟!
ابتسم هيثم بمكر وقال:
_ ما تخليهوش يكشر !
ابتسمت بمجاملة واستأذنت لتغادر… ولكن الذي وقف أمامها هذه المرة ليس هذا الغريب المتطفل … بل الذي اقترب لقلبها بخطر حتى هذا الارتباك من مجرد استنشاق عطره …. رفعت فرحة نظرها اليه ولكن وجدته يقف متصلبا وعينيه لا تنذر بالخير ….. وهتف بها بغضب:
_ واقفة معاه ليه ؟!
الجم هتافه الغاضب صوتها للحظات، حتى اقترب هيثم اليهم بنظرة منتصر وقال:
_ وحشتني يا زايد …. بقالنا كتير ما اتكلمناش حتى بعد ما رجعت من كندا !
نظر زايد لها بعنف ثم سقط نظره للفافة الورقية القابض عليها هيثم بقبضة يده … ثم رفع نظره له مرة أخرى ورد زايد بصوتٍ حاد:
_ أحب أعرفك … دي خطيبتي … فرحة …
فغرت فرحة فاها بصدمة والرجلان ينظران لبعضهما في شرر عنيف وكأن بينهما ثأر قديم لا يقبل سوى الدمار !

 

 

تجمدت فرحة مما قاله “زايد” وأعلنه كاذبا، ورأت بعينيه شيء يؤكد على هذا التصريح وكأنه حقيقة أصبحت قائمة بالفعل ! …. ولكنه لم يكن ينظر لها بتلك اللحظة، بل كان ينطق كل كلمة وهو ينظر ل”هيثم” بنظرات لو أعطت مرادف لها فستفسرها بالتهديد الصريح !!
بينما هيثم كان يقف أمامه بعينان ضيقتان كأنه يستعد لقتال عنيف لابد أن يخرج واحدًا فيهما فقط على قيد الحياة!
وقال رافعا حاجبيه كأنه غير مُصدق لما سمعه للتو:
_ خطيبتك ..؟!
كانت فرحة ستنطق وتنفي ما قاله زايد كليًا، ولكنه سبقها قائلا بصوتٍ حاد غطّى على ارتفاع صوتها:
_ آه خطيبتي، يعني ممنوع الاقتراب .. فاهم ؟
اضيقت عينان هيثم بغيظ شديد كظمه بالكاد، ثم رمى زايد بنظرات لا تنذر بالخير مطلقا … فقد اعتقد أن الامر بينهما لن يصل للارتباط الرسمي بتلك السرعة !!
وبذلك الخبر قد يلزم هيثم التفكير في خطط أخرى بدلًا من الذي افشلها زايد بخبر صادم لم يكن بالحسبان …. واكتفى هيثم قائلا بنظرات ازدراء لزايد:
_ مبروك …
وابتعد ولم يضيف كلمة أخرى، وتتبعت عينان زايد خطواته المبتعدة بنظرات ثاقبة وحادة كنظرات الصقر المترقب لشيء …. زمت فرحة شفتيها بغيظ وعصبية وصاحت به:
_ أنت أزاي تقول كده ؟! .. أنا اتخطبتلك أمتى أن شاء الله؟!
تنهد زايد قبل أن يعود وينظر لها، ثم تطلع بها بتفكير للحظات وقال بعصبية:
_ أنا بحميكي، أنتي مش عارفة حاجة !… أنا مش هسمحله يقربلك ولا هسمح لمخلوق ! …
هزت فرحة رأسها بدهشة وقالت بانفعال لاعتقادها بأن زايد يفترض الظن السوء بأي رجل يفكر حتى يسير بجانبها ولو دون قصد:
_ أنت مش طبيعي ! …يقربلي ايه ؟! …. ده كان بيسألني على فادي وبعدين هو مش المفروض ده أخوك ليه بتكرهه كده ؟!
ضيق زايد عينيه عليها بشك وهتف :
_ مين اللي قالك أنه أخويا ؟! … هو ؟! ….. أنطقي ؟؟
هتف بها بعدما ظلت لحظات تنظر له بعصبية وانفعال حتى اجابت بحدة:
_ آه هو اللي قالي و …
لم تتابع حتى رفع أصبعه بتهديد شرس أمام عينيها وقال بنظرات عنيفة لأول مرة تراها لهذه الدرجة بعينيه:
_ هعتبرها صدفة، لكن ما تتكررش تاني …. أنتي فاهمة ؟!
وبعدين هو مش أخويا لا من أب ولا من أم … فادي هو اللي أخويا من الأب بس … ومن النهاردة أنتي خطيبتي وبكرة الشركة كلها هتكون عارفة الخبر …
اتسعت عينان فرحة بذهول ولم تصدق أنه يجبرها على هذا الأمر حقا … فقالت بغضب ورفض تام:
_ مستحيل أوافق باللي بتقوله ده !! … أنت اكيد اتجننت !
وكان وقع الكلمة الأخيرة عليه مؤلما، فقد تذكر السنوات الماضية وكلمات السخرية والاستهزاء والإهانة من زوجة أبيه وأبنها الحاقد والخبيث …. فأجاب بنظرة غاضبة:
_ في يوم من الأيام هتعرفي أن قراري ده مخدتوش عشان أجبرك، هتعرفي أني كنت خايف عليكي .. أنتي بالذات لازم تبقي بعيد عن عداوتي لأي حد … مش هسمح لمخلوق يستخدمك ضدي .. وبالذات الغبي ده !
لم تفهم ما يحاول قوله تمامًا، ولكنها بقيت على غضبها منه وقالت بعصبية:
_ اعتبرني مستقيلة من دلوقتي … وبكرة ورقة استقالتي هتكون على مكتبك، أنا مش لعبة في ايدك ولا في ايد غيرك عشان حد يستخدمني ضد حد ! …
واستدارت والغضب قد تملّك منها …. وفي ظل العيون حولهما التي بدأت تراقب ما يدور تركها زايد تبتعد عنه مؤقتً، ولكنها لن تبتعد مهما حدث … ولن يسمح بذلك أبدًا …
********
وبقصر الخاص بوالد زايد …
شاهدت نوران ولدها يدخل مكفهر الوجه ولا يبدو أنه نال مأربه من ذلك الحفل الذي خطط له! ….
وقبل أن يصعد درجات السلم للطابق الثاني حيث غرفته أوقفته قائلة:
_ عايزاك يا هيثم …. عايزة اتكلم معاك شوية ..
زفر هيثم بتأفف ورد بعصبية :
_ عايزة إيه أنا مش فايق ؟!
تصاعد القلق بداخل نوران حتى اقتربت منه ووقفت أمامه قائلة:
_ ديمة قالتلي أنها سلمتك ورق المشروع، بعد ما اديتها آخرة فرصة النهاردة …. عايزة أفهم ليه اصريت تجيبلك الورق النهاردة بالذات وايه علاقة ده بالحفلة اللي روحتها ؟!
لم يكن هيثم في مزاج جيد ليفسر لها الأمر .. خصوصا أن لن يروق لها خطته وهاصة بعدما دحضها ذلك الماكر زايد …. فقال منفعلا:
_ يعني ماينفعش أفهمك بكرة ؟! … عايز أنام !
أصرت نوران وازداد انفعالها وقالت:
_ لازم أفهم اللي حصل بالكامل … أنا عرفاك وعارفة أنك اكيد بوظتلي خطتي كلها …!
لم يجد هيثم مفر من الافصاح بكل شيء فقال:
_ الورق في الأمان … خدت بس صورة منه واستخدمتها النهاردة في الحفلة عشان اشكك زايد في فرحة واعمل بينهم مشاكل .. وده طبعا بعد ما لاحظت أنه معجب بيها اعجاب شخصي بعيد عن الشغل … وده في نفس الوقت اللي هقربلها فيه واعلقها بيا … لو خطتي نجحت وعلقتها بيا يبقى شغل زايد كله هيكون عندي قبل حتى ما يتنفذ … ولو خطتي ما نجحتش ومعرفتش اضحك على عقلها بكلمتين حلوين على الاقل هخليه يشك فيها وابعدهم عن بعض … ولا أنتي عايزاه يتجوز قبلي ويجيب عيال يضحكوا على عقل جوزك ويخلوه يكتبلهم كل حاجة !!
تفاجئت نوران بتفكير أبنها الشيطاني وقالت بدهشة:
_ انا كل اللي يهمني المشروع ما يتنفذش!!، يتجوز بقى ما يتجوزش مالناش دعوة !! …. وبعدين بنت أيه اللي عايز تقربلها ؟! … البنت دي اقل حتى أنك تفكر تشغلها عندك !
ابتسم هيثم وقال بمكر:
_ مش اقل ولا حاجة، بصراحة البت دي جامدة … مش مستغرب أنها دوخت زايد بالشكل ده !!
قالت نوران بسخرية؛
_ ليه هي حلوة للدرجة دي ؟!
رفع هيثم حاجبه بنظرة عين خبيثة وقال :
_ ما تستغربيش لو قولتلك أنها كشكل فهي بنت عادية جدًا ، بس فيها جاذبية غريبة ! … بنت مش سهلة كده، مش من البنات اللي الوصول ليهم سهل … زايد بكل غروره ده كان واقف قدامها مرتبك!!.
قالت نوران بعصبية:
_ دايمًا بشوفك بتجري ورا الحاجة اللي بيعوزها ! … أنت معجبتكش البنت أنت عجبك انجذابه هو ليها !! … أنا مش عايزاك تدخل معاه في حوار خايب زي ده وخلينا في طريقنا …
غضب هيثم من تلميح أمه وصاح:
_ ليه هو أنتي مفكرة أني بغير منه ؟! ….
ما كانت تشك نوران بهذا الأمر مطلقا، فكل شيء يؤكد الحقد الدفين الذي يكنه ولدها لزايد ! … ولكنها قالت كاذبة:
_ لا مش قصدي يا حبيبي … تغير من مين هو يجي ايه جانبك ! …. بس أنت بتحب تتحداه دايمًا بس بصراحة موضوع البنت ده سخيف ومش قبلاه نهائي خصوصا أن ممكن يوصل العند معاك وتخطبها ! …. ده انا كان يجرالي حاجة !
عاد هيثم لنظراته الماكرة وابتسامة الاشد مكرًا ثم جلس على أريكة قريبة منه وقال :
_ وحتى لو ده حصل مش هكون خسران، اللي يلاقي واحدة زي دي في الزمن ده يبقى هو الكسبان ..
شهقت نوران من الفزع ثم صاحت بوجهه:
_ أنت مجنون ؟! …. اكيد جرى في عقلك حاجة ! … بقى أنت تتجوز بنت زي دي وتسيب اللي بكلمك عنها من ساعة ما رجعت من السفر ؟!
قال هيثم بسخرية:
_ ده انا أبقى مجنون لو سمعت كلامك واتجوزت البت التافهة بنت صاحبتك دي !! …. ده مافيش بينها وبين فرحة مقارنة اصلا ؟!
غضبت نوران وبدأت تندم على محاولاتها المستميته لعودته من الخارج وقالت:
_ لا أنا كده اتأكدت أنك واخد الموضوع عند … بالذات لما شوفت اسلوبه معاها !! …. يابني افهم أنت بتعند معاه هو مش معجب بيها !! .
قال هيثم وكأنه ينبأها خبرا سعيد:
_ طب لمعلوماتك زايد قالي النهاردة أن فرحة خطيبته …
صدمت نوران مما قاله وصدمت أكثر أن هيثم يبدي سعادة للأمر فقالت :
_ ولما هي بقت خطيبته بتفكر فيها ليه ؟!
وضع هيثم ساقا على ساق وقال بابتسامة خبيثة:
_ أصل كده ضربتي هتوجع أكتر !! …. يمكن دمر خطة النهاردة بالكامل بسبب الخبر ده …. بس لما فكرت شوية لقيت في بدايل كتير …
اقتربت نوران لأبنها وقالت برجاء:
_ ارجع كندا يا هيثم، ارجع ارجوك … وليك عليا في اقرب وقت هتصل بيك وافرحك أني رجعت زايد لمستشفى المجانين تاني …. ابعد أنت عشان خاطري زايد مش سهل ومش هيسكت وأخاف عليك منه ومن تفكيره !
احتدت نظرة هيثم وقال بعصبية:
_ هو مش أذكى مني وبطلي بقا اسلوبك ده معايا وكأني عيل صغير قدامه ! ….
زفرت نوران بيأس وضيق شديد وقالت :
_ أنا هتصل بخالك يشوف حكايتك ايه ! … مش هسيبك تواجهه، ده زي القطر بيفرم اللي يقف قدامه من غير لحظة تفكير !
***********
ظلت فرحة صامته طيلة طريق العودة وهي بسيارة زايد وتعود مثلما أتت …. وشعر شقيقها حسام أن هناك امر ربما قد اغضبها فكان ينظر لها بنظرات تساؤل صامتة لحين عودتهم للمنزل ….
وعند وصول السيارة بقرب المبنى القديم أوقف فادي السيارة بالتدريج ….
وخرجت فرحة من السيارة بحركة سريعة واتبعها حسام ملقيًا عليهما التحية قبل الانصراف …. نظر فادي الى شقيقه بشك وقال:
_ هو أنت زعلتها ولا إيه ؟!
تنهد زايد بعمق ثم أجاب بعينان لا يموج فيهما سوى الحذر والكثير من القلق عليها فقال:
_ مافيش حاجة … كمل الطريق عايز اوصل البيت بأسرع وقت ….
تعجب فادي منه وتأكد بأن هناك امرًا ما قد حدث، ثم حرك السيارة لطريق المنزل مباشرةً….
وفي المقابل عندما دخلت فرحة منزلها أوقفها صوت شقيقها حسام وسأل بعصبية:
_ بسألك ومش بتردي عليا ؟! … في ايه حصل ونرفزك كده ؟!
اطلقت فرحة تنهيدة عميقة قبل أن تجيبه :
_ مافيش حاجة يا حسام ، تصبح على خير …
هتف حسام بعصبية شديدة:
_ لأ في ولازم أعرف ! … لو فكراني مش هقدر ادافع عنك تبقي لسه ما تعرفيش أخوكي ؟!
شعرت فرحة بأنها اغضبته واقلقته دون داعي فاعترفت بما فعله هيثم وما قاله زايد …. فانكمش ما بين حاجبي حسام وبدا عليه التفكير والضيق ، ثم قال بعصبية:
_ أنا مابقتش مطمن لأي حاجة تخص زايد ! … يعني ايه يعلن خطوبتكم بالكدب ؟! … ومين اداله الحق يتعامل معاكي كده ؟! … أن كنت وافقتك أنك تروحي تشتغلي فعشان حسيت أنك عايزة تعرفيه كويس ومياله ليه … أنما التصرفات دي مش هقبلها !
اقتربت فرحة من شقيقها ورغم ضيقها مما حدث ولكنها وجدت نفسها تبرر عصبية زايد وتضع له الأعذار فقالت :
_ بصراحة هيثم فعلًا طريقته في الكلام تخوف وتقلق، وزايد ادرى مننا بيه ، هو أخوه ويعرفه عننا …
رد حسام بما يعرفه عن صلة زايد بهيثم :
_ هيثم مش أخو زايد ! …. ابو زايد اتجوز مراته التانية وهيثم كان موجود من جوزها اللي مات ! … وبعد ما ابو زايد اتجوزها بكام سنة خلفوا فادي … فادي بس اللي اخو زايد ….
فهمت فرحة الأمر برمته فقالت :
_ أنا عارفة أن زايد غلط بس هو قالي حاجة غريبة ، قالي أنه بيحميني من هيثم بالذات … وزي ما قولتلك هيثم انسان مش مريح وزايد اكيد فاهم اسلوبه …
قال حسام بضيق وانزعاج:
_ أنا مابقتش مرتاح للموضوع ده يا فرحة!، بس مش عايز اجبرك على شيء وأقولك ابعدي عنهم كلهم، … أنا واثق فيكي وهسيبلك القرار … متأكد أنك مش هتخذليني.
ربتت فرحة على كتفه بحنان وقالت بابتسامة كي تطمئنه:
_ ثق فيا واطمن … زايد مافيش دليل واحد أنه بيفكر يأذيني، ده مستني مني أي اشارة عشان أوافق على طلب الجواز ! … واكيد طالما حذرني واتنرفز كده يبقى شايف شيء احنا مانعرفهوش …
سأل حسام بجدية:
_ أنا متأكد أنك ميالة ليه، بس مش عارف ليه مترددة توافقي ؟!
ابتلعت فرحة ريقها بتوتر وقالت بصدق:
_ من تجربتي القليلة مع أمجد فهمت حاجة، أني مش لازم اتسرع في احساسي … لازم افكر واتأكد من مشاعري واتأكد من الطرف التاني أكتر …. بداية معرفتي بزايد وموضوعك مكنش شيء يخليني حتى اتكلم معاه بهدوء!! …. فطبيعي ابقى خايفة وجوايا هواجس كتير محتاجة وقت أكتر عشان تنتهي …
رد عليها حسام بعدما هدأ من حديثها:
_ الحقيقة رغم زعلي من تصرف زايد بس برضو مش هنسى وقفته معانا في المستشفى … مكنش في شيء واحد يخليه يعمل كده غير أنه شاريكي فعلا … يمكن الوقت ده اللي بيشفعله في كذا تصرف عمله ومعجبنيش … ولحد دلوقتي انا ساكت عشانك أنتي لحد ما اشوف أخرتها ! …
ابتسمت له فرحة وقالت بمرح:
_ ما تقلقش بقا وتكشر كده بتخوفني !! …
ابتسم لها حسام بالتدريج واستأذنت فرحة لتبدل ملابسها وتخلد للنوم ….
********
دخل زايد من بوابة القصر وتجولت عينيه بجميع الزوايا حتى وجد هيثم يجلس بجانب والدته على بُعد مسافةً قليلة، ورغم اصابة قدم زايد وعكازه اللذي يستند عليه ولكنه اجتاز المسافة بنظرات شرسة مصوبة اتجاه هيثم …. ووقفت نوران وهي تبتلع ريقها وتجسدت مخاوفها وهي ترى زايد بهذا الغضب يقترب من ولدها..!
حتى وقف هيثم بوقفة تحدي أمام زايد وأشار له الآخر بتهديد عنيف :
_ اللي يقرب لشيء يخصني ويحط عينه عليه يبقى نوي على نهايته، تخيل بقا لو حد حط عينه القذرة دي على حبيبتي ؟!
ابتسم هيثم بسخرية وهو يضع يديه بجيوبه بقصد الاستهزاء من ما سمعه وقال:
_ الأول خطيبتي … ودلوقتي حبيبتي ؟ … بكرة هتكون مراتك ؟!
لم يتمالك زايد نفسه وجر هيثم من ياقة قميصه بغضب وصاح به :
_ أنا عارف أنك حقير وقذر وحقود ودايمًا مش شايف غير اللي في ايدي !! …. بس اقسم بالله لو عينك جت عليها تاني زي ما شوفت في الحفلة لأنسى أي صلة قرابة ما بينا وما هرحمك ! ….مش هقولك أنك ما تعرفنيش لأ أنت عارفني كويس أوي …. وعارف اللي أقدر اعمله لو حد قرب لحاجة ملكي …
نظرت نوران للشرر الذي يتطاير من عينان هيثم وصرخت وهي تستغيث ….حتى أتى فادي وفرق بينهما بمجهود كبير ووقف أمام زايد قائلا بدهشة:
_ في ايه يا زايد ؟! … هيثم عملك ايه ؟!
رد زايد ونظرات الغضب والعنف تزداد بعيناه :
_ قول لاخوك يخلي باله ويبعد عني … عشان لو مبعدتش بالذوق هيبعد غصب عنه .. وأنا ما بحذرش حد مرتين … المرة الجاية هيفتح على نفسه باب هو مش اده …
صرخت نوران به في كره وحقد شديد :
_ أنت مفكر نفسك ايه ؟! واقف وعمال تزعق لأبني من غير ما يعملك حاجة!، لأ فوق وشوف أنت واقف في بيت مين ؟!…
نظر لها زايد بكراهية وقال باستهزاء:
_ واقف في بيتي وبيت أبويا … ابنك هو اللي واقف في بيت جوز أمه ! …
اشتعلت النيران بداخل نوران وهي تنظر له ولم تستطع التفوه بشيء خاصةً أمام فادي الذي امتلأت عينيه حزن وضيق ويأس … ثم قال لهم :
_ احنا هنفضل نكره بعض كده لحد أمتى ! … انا نفسيتي بتتعب كل ما بشوفكم كده ! .. نفسي في مرة نبقى عيلة ونتلم ونضحك ونهزر زي ما بشوف أهل صحابي وزمايلي ! …
تنفس زايد بعصبية ورمى على هيثم نظرات محملة بالانذار والتهديد وصعد لغرفته بخطوات بطيئة.. ويبدو أن هيثم لا يتحلى أمام زايد بأي شجاعة للمواجهة …. فهو يعرف قدر ذكاء زايد في رد أي خديعة أو مكيدة …..
وعندما اختفى تمامًا ضربت نوران قبضتيها ببعضهما في غضب شديد وقالت:
_ ده اللي كنت متأكدة منه، لا ولسه لما يتجوز كمان هيتفرعن أكتر ! … بس لأ مش هسيبه يعملها !
نظر لها فادي بضيق شديد وركض لغرفته …..
**********
وبالصباح … عند الساعة الثامنة والنصف تحديدًا ….
وجد زايد فرحة تدخل مكتبه دون حتى أن تطرق الباب وتضع امامه ورقة الاستقالة ..!
وقالت بحدة:
_ امبارح اديت مبررات كتير لأخويا عشان ما ياخدش منك موقف ويكرهك بعد ما بقيتوا صحاب، بس ده مش هيغير من موقفي … دي استقالتي ..
ظلّ زايد ينظر لها بثبات للحظات طوال …. ثم ابتسم ابتسامة واسعة وقال :
_ كنت اسمع أن البنات مش بيعجبهم غير الشخص الغيور جدًا ! … بس أنتي دايمًا بتثبتيلي عكس كل شيء سمعته ! … ممكن تفهميني سبب الاستقالة ؟!
اغتاظت من نفسها لأنها بالفعل ابتسمت سرًا إثر ابتسامته ذات الغمازتين وقالت:
_ يعني مش شايف أن اللي قولته ده تحكم فيا واجبار على شيء لسه بفكر فيه ؟! …. مش مبرر ابدًا أنك شوفت حد حتى يعني لو بيعاكس يكون ده رد فعلك!! ….
نهض زايد من مكانه ببطء ووقف أمامها بنظرات ثابتة، وقال بصدق:
_ الموضوع مش بس معاكسة يا فرحة، في حاجات كتير هتعرفيها بعدين ومنها أن الانسان ده عمره ما شافني بحب حاجة ومحاولش يخطفها مني !
الأول مكنش بيهمني … بس عندك أنتي ولا ، مستحيل اسمحله يفكر حتى ! … أنا بخاف عليكي أكتر من اكتر مرة خوفت

 

فيها على نفسي.
ارتبكت من قوله ولكن قاات بحدة:
_ بس انا مش حاجة من حجاتك !!
قال وعينيه بها كل ما يذوب جبال الثلج بينهما ويزلزل قلبها:
_ أنتي مش حاجة يا فرحة … أنتي احتياجي !

يتبع…

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *